في ميدان تزييفه قلما لكني لذلك أقول : لا يخفى أن ثاني اثنين وكذا إذ هما في الغار إنما يدلان بمعونة المقام على فضل الصديق رضي الله تعالى عنه ولا ندعي دلالتهما مطلقا ومعونة المقام أظهر من نار على علم ولا يكاد ينتطح كبشان في أن الرجل لا يكون ثانيا باختياره لآخر ولا معه في مكان إذا فر من عدو ما لم يكن معولا عليه متحققا صدقه لديه لاسيما وقد ترك الآخر لأجله أرضا حلت فيها قوابله وحلت عنه بها تمائمه وفارق أحبابه وجفا أترابه وامتطى غارب سبسب يضل بها القطا وتقصر فيه الخطا ومما يدل على فضل تلك الإثنينية قوله صلى الله تعالى عليه وسلم مسكنا جأش أبي بكر : ماظنك باثنين الله تعالى ثالثهما والصحبة اللغوية وإن لم تدل بنفسها على المدعي لكنها تدل عليه بمعونة المقام أيضا فإضافة صاحب إلى الضمير للعهد أي صاحبه الذي كان معه في وقت يجفو فيه الخليل خليله ورفيقه الذي فارق لمرافقته أهله وقبيله وأن لا تحزن ليس المقصود منه حقيقة النهي عن الحزن فإنه من الأمور التي لا تدخل تحت التكليف بل المقصود منه التسلية للصديق رضي الله تعالى عنه أو نحوها وما ذكروه من الترديد يجري مثله في قوله تعالى خطابا لموسى وهارون عليهما السلام : لا تخافا إنني معكما وكذا في قوله سبحانه للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم : ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا إلى غير ذلك أفترى أن الله سبحانه نهى عن طاعته أو أن أحدا من أولئك المعصومين عليهم الصلاة والسلام إرتكب معصية سبحانك هذا بهتان عظيم ولا ينافي كون الحزن من الأمور التي لا تدخل تحت التكليف بالنظر إلى نفسه أنه قد يكون موردا للمدح والذم كالحزن على فوات طاعة فإنه ممدوح والحزن على فوات معصية فإنه مذموم لأن ذلك باعتبار آخر كما لا يخفى وما ذكر في حيز العلاوة من أن فيه من الدلالة على الجبن ما فيه فيه من إرتكاب الباطل ما فيه فإنا لا نسلم أن الخوف يدل على الجبن وإلا لزم جبن موسى وأخيه عليهما السلام فما ظنك بالحزن وليس حزن الصديق رضي الله تعالى عنه بأعظم من الإختفاء بالغار ولا يظن مسلم أنه كان عن جبن أو يتصف بالجبن أشجع الخلق على الإطلاق صلى الله تعالى عليه وسلم ومن أنصف رأي أن تسليته E لأبي بكر بقوله : لا تحزن كما سلاه ربه سبحانه بقوله : لا يحزنك قولهم مشيرة إلى أن الصديق رضي الله تعالى عنه عنده E بمنزلته عند ربه جل شأنه فهو حبيب حبيب الله تعالى بل لو قطع النظر عن وقوع مثل هذه التسلية من الله تعالى لنبيه النبيه صلى الله تعالى عليه وسلم كان نفس الخطاب بلا تحزن كافيا في الدلالة على أنه رضي الله تعالى عنه حبيب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وإلا فكيف تكون محاورة الأحباء وهذا ظاهر إلا عند الأعداء وما ذكر من أن المعية الخاصة كانت لرسول الله E وحده الإتيان بنا لسد باب الإيحاش من باب المكابرة الصرفة كما يدل عليه الخبر المار آنفا على أنه إذا كان ذلك الحزن إشفاقا على رسول الله E لا غير فأي إيحاش في قوله لا تحزن على إن الله معي وإن كان إشفاقا على الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وعلى نفسه رضي الله تعالى عنه لم يقع التعليل موقعه والجملة مسوقة له ولو سلمنا الإيحاش على الأول ووقوع التعليل موقعه على الثاني يكون ذلك الحزن دليلا واضحا على مدح الصديق وإن كان على نفسه فقط كما يزعمه ذو النفس الخبيثة لم يكن للتعليل معنى أصلا وأي معنى في لا تحزن على نفسك إن الله معي لا معك .
على أنه يقال للرافضي هل فهم الصديق رضي الله تعالى عنه من الآية ما فهمت من التخصيص وأن التعبير