روى البيهقي في الدلائل وابن عساكر أنه لما خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مهاجرا تبعه أبو بكر فجعل يمشي مرة أمامه ومرة خلفه ومرة عن يمينه ومرة عن يساره فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : ما هذا يا أبا بكر فقال : يا رسول الله أذكر الرصد فأكون أمامك واذكر الطلب فأكون خلفك ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك لا آمن عليك فمشى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليلته على أطراف أصابعه حتى حفيت رجلاه فلما رأى ذلك أبو بكر حمله على كاهله وجعل يشتد به حتى أتى فم الغار فأنزله ثم قال : والذي بعثك بالحق لا تدخل حتى أدخله فإن كان فيه شيء نزل بي قبلك فدخل فلم ير شيئا فحمله فأدخله وكان في الغار خرق فيه حيات وأفاعي فخشي أبو بكر أن يخرج منهن شيء يؤذي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فألقمه قدمه فجعلهن يضربنه ويلسعنه وجعلت دموعه تنحدر وهو لا يرفع قدمه حبا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وفي رواية إنه سد كل خرق في الغار بثوبه قطعه لذلك قطعا وبقى خرق سده بعقبه رضي الله تعالى عنه فأنزل الله سكينته وهي الطمأنينة التي تسكن عندها القلوب عليه أي على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الضمير للصاحب وأخرج الخطيب في تاريخه عن حبيب بن أبي ثابت نحوه وقيل : وهو الأظهر لأن النبي E لم ينزعج حتى يسكن ولا ينافيه تعين ضمير وأيده بجنود لم تروها له E لعطفه على نصره الله لا على أنزل حتى تتفكك الضمائر على أنه إذا كان العطف عليه كما قيل به يجوز أن يكون الضمير للصاحب أيضا كما يدل عليه ما أخرجه ابن مردويه من حديث أنس أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال لأبي بكر رضي الله تعالى عنه : يا أبا بكر إن الله تعالى أنزل سكينته عليك وأيدك الخ وأنت أبيت فأي ضرر في التفكيك إذا كان الأمر ظاهرا .
واستظهر بعضهم الأول وادعى أنه المناسب للمقام وإنزال السكينة لا يلزم أن يكون لدفع الإنزعاج بل قد يكون لرفعته ونصره صلى الله تعالى عليه وسلم والفاء للتعقيب الذكرى وفيه بعد وفسرها بعضهم على ذلك الإحتمال بما لا يحوم حوله شائبة خوف أصلا والمراد بالجنود الملائكة النازلون يوم بدر والأحزاب وحنين وقيل : هم ملائكة أنزلهم الله تبارك وتعالى ليحرسوه في الغار ويؤيده ما أخرجه أبو نعيم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنه أن أبا بكر رأى رجلا يواجه الغار فقال : يا رسول الله إنه لرآنا قال : كلا إن الملائكة تستره الآن بأجنحتها فلم ينشب الرجل أن قعد يبول مستقبلهما فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : يا أبا بكر لو كان يرانا ما فعل هذا : والظاهر أنهما على هذا كانا في الغار بحيث يمكن رؤيتهما عادة ممن هو خارج الغار واعترض هذا القول بأنه يأباه وصف الجنود بعدم رؤية المخاطبين لهم إلا أن يقال : المراد من هذا الوصف مجرد تعظيم أمر الجنود ومن جعل العطف على أنزل التزم القول المذكور لإقتضائه لظاهر حال الفاء أن يكون ذلك الإنزال متعقبا على ما قبله وذلك مما لا يتأتى على القول الأول في الجنود وجعل كلمة الذين كفروا السفلى أي كلمتهم التي اجتمعوا عليها في أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في دار الندوة حيث نجاه ربه سبحانه على رغم أنوفهم وحفظه من كيدهم مع أنهم لم يدعوا في القوس منزعا في إيصال الشر إليه وجعلوا الدية لمن يقتله أو يأسره E وخرجوا في طلبه E رجالا وركبانا فرجعوا صفر الأكف سود الوجوه وصار له بعض