به فإن الإنسان ربما ينبه على مذهبه بالكتابة أو بالكناية مثلا فإذا صرح به وذكره بلسانه كان ذلك الغاية في إختياره وادعى غير واحد أن جعل ذلك من باب التأكيد كما في قولك : رأيته بعيني وسمعته بأذني مثلا مما يأباه المقام ولو كان المراد به التأكيد مع التعجيب من تصريحهم بتلك المقالة الفاسدة لا ينافيه المقام ولا تزاحم في النكات يضاهئون أي يضاهي قولهم في الكفر والشناعة قول الذين كفروا فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وصير مرفوعا ويحتمل أن يكون من باب التجوز كما قيل في قوله تعالى : وأن الله لا يهدي كيد الخائنين لا يهديهم في كيدهم فالمراد يضاهئون في قولهم قول الذين كفروا من قبل أي من قبلهم وهم كما روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة واختاره الفراء المشركون الذين قالوا : الملائكة بنات الله سبحانه وتعالى عما يقولون وقيل : المراد بهم قدماؤهم فالمضاهي من كان في زمنه E منهم لقدمائهم وأسلافهم والمراد الاخبار بعراقتهم في الكفر .
وأنت تعلم أنه لا تعدد في القول حتى يتأتى التشبيه وجعله بين قولي الفريقين ليس فيه مزيد مزية وقيل : المراد بهم اليهود على أن الضمير للنصارى ولا يخفى أنه خلاف الظاهر وإن أخرجه ابن المنذر وغيره عن قتادة مع أن مضاهاتهم قد علمت من صدر الآية ويستدعى أيضا اختصاص الرد والإبطال بقوله تعالى : ذلك قولهم بأفواههم بقول النصارى وقرأ الأكثر يضاهون بهاء مضمومة بعدها واو وقد جاء ضاهيت وضاهأت بمعنى من المضاهاة وهي المشابهة وبذلك فسرها ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وعن الحسن تفسيرها بالموافقة وهما لغتان وقيل : الياء فرع عن الهمزة كما قالوا قريت وتوضيت وقيل : الهمزة بدل من الياء لضمها ورد بأن الياء لا تثبت في مثله حتى تقلب بل تحذف كرامون من الرمي وقيل : إنه مأخوذ من قولهم : امرأة ضهيا بالقصر وهي التي لا ثدي لها أو لا تحيض أو لاتحمل لمشابهتها الرجال ويقال : ضهياء بالمد كحمراء وضهياءة بالمد وتاء التأنيث وشذ فيه الجمع بين علامتي التأنيث وتعقب بأنه خطأ لاختلاف المادتين فإن الهمزة في ضهياء على لغتها الثلاث زائدة وفي المضاهاة أصلية ولم يقولوا : إن همزة ضهياء أصلية وياؤها زائدة لأن فعيلاء لم يثبت في أبنيتهم ولم يقولوا وزنها فعلل كجعفر لأنه ثبت زيادة الهمزة في ضهياء بالمدفتتعين في اللغة الأخرى وفي هذا المقام كلام مفصل في محله ومن الناس من جوز الوقف على قولهم وجعل بأفواههم متعلقا بيضاهئون ولا توقف في أنه ليس بشيء وفي الجملة ذم للذين كفروا على أبلغ وجه وإن لم تسق لذمهم قاتلهم الله دعاء عليهم بالإهلاك فإن من قاتل الله تعالى فمقتول ومن غالبه فمغلوب وأخرج ابن جرير وغيره عن ابن عباس أن المعنى لعنهم الله وهو معنى مجازي لقاتلهم ويجوز أن يكون المراد من هذه الكلمة التعجب من شناعة قولهم فقد شاعت في ذلك حتى صارت تستعمل في المدح فيقال : قاتله الله تعالى ما أفصحه .
وقيل : هي للدعاء والتعجب يفهم من السياق لأنها كلمة لا تقال إلا في موضع التعجب من شناعة فعل قوم أو قولهم ولا يخفى ما فيه مع أن تخصيصها بالشناعة شناعة أيضا أنى يؤفكون .
3 - أي كيف يصرفون عن الحق إلى الباطل بعد وضوح الدليل وسطوع البرهان اتخذوا أحبارهم زيادة تقرير لما سلف من