الوصف إلا أن يقال : ذلك بالخبر يدل على أن ما سواه لا يكذبه وهو مبني على دليل الخطاب وهو ضعيف وأجاب بعضهم بأن الوصف للعلية فانكار الحكم يتضمن إنكار علته وفيه أن إنكار الحكم قد يحتمل أن يكون بواسطة عدم الإفضاء لا لأن الوصف كالأبنية مثلا منتف .
وفي الإيضاح أن القول بمعنى الوصف وأراد أنه لا يحتاج إلى تقدير الخبر كما أن أحدا إذا قال مقالة ينكر منها البعض فحكيت منها المنكر فقط وهو كما في الكشف وجه حسن في رفع التمحل لكنه خلاف الظاهر كما يشهد له آخر الآية وقال بعض المحققين : إنه يحتمل أن يكون عزير ابن الله خبر مبتدأ محذوف أي صاحبنا عزير ابن الله مثلا والخبر إذا وصف توجه الإنكار إلى وصفه نحو هذا الرجل العاقل وهذا موافق للبلاغة وجار على وفق العربية من غير تكلف ولا غبار ولم يظهر لي وجه تركه مع ظهوره والظاهر أن التركيب خبر ولا حذف هناك واختلف في عزير هل هو نبي أم لا والأكثرون على الثاني وقالت النصارى المسيح ابن الله هو أيضا قول بعضهم ولعلهم إنما قالوه لإستحالة أن يكون ولد من غير أب أو لأنهم رأوا من أفعاله ما رأوا .
ويحتمل وهو الظاهر عندي أنهم وجدوا إطلاق الأبن عليه عليه السلام وكذا اطلاق الأب على الله تعالى فيما عندهم من الإنجيل فقالوا ما قالوا وأخطأوا في فهم المراد من ذلك وقد قدمنا من الكلام ما فيه كفاية في هذا المقام .
ومن الغريب ولا يكاد يصح ما قيل : إن السبب في قولهم هذا أنهم كانوا على الدين الحق بعد رفع عيسى عليه السلام احدى وثمانين سنة يصلون ويصومون ويوحدون حتى وقع بينهم وبين اليهود حرب وكان في اليهود رجل شجاع يقال له بولص قتل جماعة منهم ثم قال لليهود : إن كان الحق مع عيسى عليه السلام فقد كفرنا والنار مصيرنا ونحن مغبونون أن دخلنا النار ودخلوا الجنة وإني سأحتال عليهم وأضلهم حتى يدخلوا النار معنا ثم إنه عمد إلى فرس يقاتل عليه فعقره وأظهر الندامة والتوبة ووضع التراب على رأسه وأتى النصارى فقالوا له من أنت فقال : عدوكم بولص قد نوديت من السماء أنه ليست لك توبة حتى تنتصر وقد تبت وأتيتكم فأدخلوه الكنيسة ونصروه ودخل بيتا فيها فلم يخرج منه سنة حتى تعلم الإنجيل ثم خرج وقال : قد نوديت إن الله تعالى قد قبل توبتك فصدقوه وأحبوه وعلا شأنه فيهم ثم إنه عمد إلى ثلاثة رجال منهم نسطور ويعقوب وملكا فعلم نسطور أن الأله ثلاثة الله وعيسى ومريم تعالى الله عن ذلك وعلم يعقوب أن عيسى ليس بانسان ولكنه ابن الله سبحانه وعلم ملكا أن عيسى هو الله تعالى لم يزل ولا يزال فلما استمكن ذلك منهم دعا كل واحد منهم في الخلوة وقال له : أنت خالصتي فادع الناس إلى ما علمتك وأمره أن يذهب إلى ناحية من البلاد ثم قال لهم : إني رأيت عيسى عليه السلام في المنام وقد رضى عني وأنا ذابح نفسي تقربا إليه ثم ذهب إلى المذبح فذبح نفسه وتفرق أولئك الثلاثة فذهب واحد منهم إلى الروم وواحد إلى بيت المقدس والآخر إلى ناحية أخرى وأظهر كل مقالته ودعا الناس إليها فتبعه من تبعه وكان من كان من الإختلال والضلال ذلك أي ما صدر عنهم من العظيمتين قولهم بأفواههم أي أنه قول لا يعضده برهان مماثل للألفاظ المهملة التي لا وجود لها إلا في الأفواه من غير أن يكون لها مصداق في الخارج وقيل : هو تأكيد لنسبة القول المذكور إليهم ونفي التجوز عنها وهو الشائع في مثل ذلك وقيل : أريد بالقول الرأي والمذهب وذكر الأفواه إما للإشارة إلى أنه لا أثر له في قلوبهم وإنما يتكلمون به جهلا وعنادا وإما للإشعار بأنه مختار لهم غير متحاشين عن التصريح