أمر بقتال أهل الكتابين إثر أمرهم بقتال المشركين ومنعهم من أن يحوموا حول المسجد الحرام وفي تضاعيفه تنبيه لهم على بعض طرق الاغناء الموعود والتعبير عنهم بالموصول للإيذان بعلية ما في حيز الصلة للأمر بالقتال وبانتظامهم بسبب ذلك في سلك المشركين وإيمانهم الذي يزعمونه ليس على ما ينبغي فهو كلا إيمان ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله أي ما ثبت تحريمه بالوحي متلوا وغير متلوا فالمراد بالرسول نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم وقيل : المراد به رسولهم الذي يزعمون اتباعه فإنهم بدلوا شريعته وأحلوا وحرموا من عند أنفسهم اتباعا لأهوائهم فيكون المراد لا يتبعون شريعتنا ولا شريعتهم ومجموع الأمرين سبب لقتالهم وإن كان التحريف بعد النسخ ليس علة مستقلة ولا يدينون دين الحق أي الدين الثابت فالإضافة من إضافة الصفة إلى الموصوف والمراد به دين الإسلام الذي لا ينسخ بدين كما نسخ كل دين به وعن قتادة أن المراد بالحق هو الله تعالى وبدينه الإسلام وقيل : ما يعمه وغيره أي لا يدينون بدين من الأديان التي أنزلها سبحانه على أنبيائه وشرعها لعباده والإضافة على هذا على ظاهرها من الذين أوتوا الكتاب أي جنسه الشامل للتوراة والإنجيل و من بيانية لا تبعيضية حتى يكون بعضهم على خلاف ما نعت حتى يعطوا أي يقبلوا أن يعطوا الجزية أي ما تقرر عليهم أن يعطوه وهي مشتقة من جزى دينه أي قضاه أو من جزيته بما فعل أي جازيته لأنهم يجزون بها من من عليهم بالعفو عن القتل وفي الهداية أنها جزاء الكفر فهي من المجازاة وقيل : أصلها الهمز من الجزء والتجزئة لأنها طائفة من المال يعطى وقال الخوارزمي : إنها معرب كزيت وهو الخراج بالفارسية وجمعها جزى كلحية ولحى عن يد يحتمل أن يكون حالا من الضمير في يعطوا وأن يكون حالا من الجزية واليد يحتمل أن تكون اليد المعطية وأن تكون اليد الآخذة و عن تحتمل السببية وغيرها أي يعطوا الجزية عن يد مؤاتية أي منقادين أو مقرونة بالإنقياد أو عن يدهم أي مسلمين أو مسلمة بأيديهم لا بأيدي غيرهم من وكيل أو رسول لأن القصد فيها التحقير وهذا ينافيه ولذا منع من التوكيل شرعا أو عن غنى أي أغنياء أو صادرة عنه ولذلك لا تؤخذ من الفقير العاجز أو عن قهر وقوة أي أذلاء عاجزين أو مقرونة بالذل أو عن إنعام عليهم فإن إبقاء مهجهم بما بذلوا من الجزية نعمة عظيمة أي منعما عليهم أو كائنة عن إنعام عليهم أو نقدا أي مسلمة عن يد إلى يد أو مسلمين نقدا واستعمال اليد بمعنى الإنقياد إما حقيقة أو كناية ومنه قول عثمان رضي الله تعالى عنه هذي يدي لعمار أي أنا منقاد مطيع له واستعمالها بمعنى الغنى لأنها تكون مجازا عن القدرة المستلزمة له واستعمالها بمعنى الإنعام وكذا النعمة شائع ذائع وأما معنى النقدية فلشهرة يدا بيد في ذلك ومنه حديث أبي سعيد الخدري في الربا وما في الآية يؤول إليه كما لا يخفى على من له اليد الطولى في المعاني والبيان .
وتفسير اليد هنا بالقهر والقوة أخرجه ابن أبي حاتم عن قتادة وأخرج عن سفيان بن عيينة ما يدل على أنه حملها على ما يتبادر منها طرز ما ذكرناه في الوجه الثاني وسائر الأوجه ذكرها غير واحد من المفسرين وغاية القتال ليس نفس هذا الاعطاء بل قبوله كما أشير إليه وبذلك صرح جمع من الفقهاء حيث قالوا : إنهم يقاتلون إلى أن يقبلوا الجزية وإنما عبروا بالاعطاء لأنه المقصود من القبول وهم صاغرون .
92 .
- أي أذلاء