فلما شفي سأل العلماء عن حد الكثير فاختلفت أقوالهم فأشير إليه أن يسأل أبا الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى الكاظم رضي الله تعالى عنهم وقد كان حبسه في داره فأمر أن يكتب إليه فكتب رضي الله تعالى عنه يتصدق بثمانين درهما ثم سألوه عن العلة فقرأ هذه الآية وقال : عددنا تلك المواطن فبلغت ثمانين ويوم حنين عطف على محل مواطن وعطف ظرف الزمان على المكان وعكسه جائز على ما يقتضيه كلام أبي علي ومن تبعه نعم ظاهر كلام البعض المنع لأن كلا من الظرفين يتعلق بالفعل بلا توسط العاطف ومتعلقات الفعل إنما يعطف بعضها على بعض إذا كانت من جنس واحد وقال آخرون : لامنع من نسق زمان على مكان وبالعكس إلا أن الأحسن ترك العاطف في مثله ومن منع العطف أو إستحسن تركه قال : إنه معطوف بحذف المضاف أي وموطن يوم حنين ولعل التغيير للإيماء إلى ما وقع فيه من قلة الثبات من أول الأمر .
وقد يعتبر الحذف في جانب المعطوف عليه أي في أيام مواطن والعطف حينئذ من عطف الخاص على العام ومزية هذا الخاص التي أشار إليها العطف هي كون شأنه عجيبا وما وقع فيه غريبا للظفر بعد اليأس والفرج بعد الشدة إلى غير ذلك وليس المراد بها كثرة الثواب وعظم النفع ليرد أن يوم حنين ليس بأفضل من يوم بدر الذي نالوا به القدح المعلى وفازوا فيه بالدرجات العلا فلا تتأتى فيه نكتة العطف وقيل : إن موطن اسم زمان كمقتل الحسين فالمعطوفان متجانسان وهو بعيد عن الفهم وأوجب الزمخشري كون يوم منصوبا بمضمر والعطف من عطف جملة على جملة أي ونصركم يوم حنين ولا يصح أن يكون ناصبه نصركم المذكور لأن قوله سبحانه : إذ أعجبتكم كثرتكم بدل من يوم حنين فيلزم كون زمان الإعجاب بالكثرة ظرف النصرة الواقعة في المواطن الكثيرة لإتحاد الفعل ولتقييد المعطوف بما يقيد به المعطوف عليه وبالعكس .
واليوم مقيد بالإعجاب بالكثرة والعامل منسحب على البدل والمبدل منه جميعا ويلزم من ذلك أن يكون زمان الإعجاب ظرفا وقيدا للنصرة الواقعة في المواطن الكثيرة وهو باطل إذ لا إعجاب في تلك المواطن .
وأجيب بأن الفعل في المتعاطفين لا يلزم أن يكون واحدا بحيث لا يكون له تعدد أفراد كضربت زيدا اليوم وعمرا قبله وأضربه حين يقوم وحين يقعد إلى غير ذلك بل لابد في نحو قولك : زيد وعمرو من إعتبار الأفراد وإلا لزم قيام العرض الواحد بالشخص بمحلين مختلفين وهو لايجوز ضرورة فلا يلزم من تقييده في حق المعطوف بقيد تقييده في حق المعطوف عليه بذلك ولا نسلم أن هذا هو الأصل حتى يفتقر غيره إلى دليل وقال بعضهم : إن ذلك إنما يلزم لو كان المبدل منه في حكم التنحية مع حرف العطف ليؤول إلى نصركم الله في مواطن كثيرة إذ أعجبتكم وليس كذلك بل يؤول إلى نصركم الله في مواطن كثيرة وإذ أعجبتكم ولا محذور فيه وفي كون البدل قيدا للمبدل منه نظر وحنين واد بين مكة والطائف على ثلاثة أميال من مكة حارب فيه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والمسلمون هوازن وثقيفا وحشما وفيهم دريد بن الصمة يتيمنون برأيه وأناسا من بني هلال وغيرهم وكانوا أربعة آلاف وكانوا المسلمون على ما روى الكلبي عشرة آلاف وعلى ما روي عن عطاء ستة عشر ألفا وقيل : ثمانية آلاف وصحح أنهم كانوا اثني عشر ألفا العشر الذين حضروا مكة وألفان انضموا إليهم من الطلقاء فلما التقوا قال سلمة بن سلامة أو أبوبكر