وفي ذلك من الرجز عن الموالاة ما فيه قل تلوين للخطاب وأمر له صلى الله تعالى عليه وسلم بأن يثبت المؤمنين ويقوي عزائمهم على الإنتهاء عما نهوا عنه من موالاة الآباء والإخوان ويزهدهم فيهم وفيمن يجري مجراهم ويقطع علائقهم عن زخارف الدنيا على وجه التوبيخ والترهيب أي قل يا محمد للمؤمنين إن كان ءاباءكم وأبناءكم وإخوانكم وأزواجكم لم يذكر الأبناء والأزواج فيما سلف وذكرهم هنا لأن ما تقدم في الأولياء وهم أهل الرأي والمشورة والأبناء والأزواج تبع ليسوا كذلك وما هنا في المحبة وهم أحب إلى كل أحد وعشيرتكم أي ذووا قرابتكم وقيل : عشيرة الرجل أهله الأدنون وأيا ما كان فذكره للتعميم والشمول وهو من العشرة أي الصحبة لأنها من شأن القربى وقيل من العشرة العدد المعروف وسميت العشيرة بذلك على هذا لكمالهم لأن العشرة كما علمت عدد كامل أو لأن بينهم عقد نسب كعد العشرة فإنه عقد من العقود وهو معنى بعيد .
وقرأ أبوبكر عن عاصم عشيراتكم والحسن عشائركم وأنكر أبو الحسن وقوع الجمع الأول في كلامهم وإنما الواقع الجمع الثاني وأموال إقترفتموها أي إكتسبتموها وأصل الإقتراف اقتطاع الشيء من مكانه إلى غيره من قرفت القرحة إذا قشرتها والقرف القشر ووصفت الأموال بذلك إيماء إلى عزتها عندهم لحصولها بكد اليمين وعرق الجبين وتجارة أي أمتعة اشتريتموها للتجارة والربح تخشون كسادها بفوات وقت رواجها بغيبتكم عن مكة المعظمة في أيام المواسم ومساكن ترضونها منازل تعجبكم الإقامة فيها والتعرض للصفات المذكورة للإيذان بأن الوم على محبة ما ذكر من زينة الحياة الدنيا لا ينافي ما فيها من مبادي المحبة وموجبات الرغبة فيها وأنها مع ما لها من فنون المحاسن بمعزل عن أن تكون كما ذكر سبحانه بقوله : أحب إليكم من الله ورسوله بالحب الإختياري المستتبع لأثره الذي هو الملازمة وتقديم الطاعة لا ميل الطبع فإنه أمر جبلي لا يمكن تركه ولا يؤاخذ عليه ولا يكلف الإنسان بالإمتناع عنه وجهاد في سبيله أي طريق ثوابه ورضاه سبحانه ولعل المراد به هنا أيضا الإخلاص ونحوه لا الجهاد وإن أطلق عليه أيضا أنه سبيل الله تعالى ونظم حب هذا في سلك حب الله تعالى شأنه وحب رسوله E تنويها بشأنه وتنبيها على أنه مما يجب أن يحب فضلا عن أن يكره وإيذانا بأن محبته راجعة إلى محبة الله D ومحبة حبيبه صلى الله تعالى عليه وسلم فإن الجهاد عبارة عن قتال أعدائهما لأجل عداوتهم فمن يحبهما يجب أن يحب قتال من لا يحبهما فتربصوا أي إنتظروا حتى يأتي الله بأمره أي بعقوبته سبحانه لكم عاجلا أو آجلا على ما روي عن الحسن واختاره الجبائي وروي عن ابن عباس ومجاهد ومقاتل أنه فتح مكة .
والله لا يهدي القوم الفاسقين .
42 .
- أي الخارجين عن الطاعة في موالاة المشركين وتقديم محبة من ذكر على محبة الله D ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم أو القوم الفاسقين كافة ويدخل المذكورون دخولا أولياء أي لا يهديهم إلى ما هو خير لهم والآية أشد آية نعت على الناس ما لا يكاد يتخلص منه إلا من تداركه الله سبحانه بلطفه وفي الحديث عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا يطعم أحدكم طعم الإيمان حتى يحب في الله تعالى ويبغض في الله تعالى حتى يحب في الله سبحانه أبعد الناس ويبغض في الله D أقرب الناس والله تعالى الموفق لأحسن الأعمال