أنكم غير معجزي الله وأن الله والاصل غير معجزي وإني وفي هذا الالتفات بعد الالتفات الأول افتنان في أساليب البلاغة وتفخيم للشأن وتعضيم للأمر ثم يتلوا هذا الالتفات العود إلى الخطاب في قوله سبحانه : إلا الذين عاهدتم الخ وكل هذا من حسنات الفصاحة انتهى ولا يخفى ما فيه من كثرة التعسف و من قيل بيانية وقيل : تبعيضية وثم في قوله تعالى : ثم لم ينقصوكم شيئا للدلالة على ثباتهم على عهدهم مع تمادي المدة وينقصوا بالصاد المهملة كما قرأ الجمهور يجوز أن يتعدى إلى واحد فيكون شيئا منصوبا على المصدرية أي لم ينقصوكم شيئا من النقصان لا قليلا ولا كثيرا ويجوز أن يتعدى إلى اثنين فيكون شيئا مفعوله الثاني أي لم ينقصوكم شيئا من شروط العهد وأدوها لكم بتمامها وقرأ عكرمة وعطاء ينقضوكم بالضاد المعجمة والكلام حينئذ على حذف مضاف أي لم ينقضوا عهودكم شيئا من النقض وهي قراءة مناسبة للعهد إلا أن قراءة الجمهور أوقع لمقابلة التمام مع استغنائها عن ارتكاب الحذف ولم يظاهروا إي لم يعاونوا عليكم أحدامن أعدائكم كما عدت بنو بكر على خزاعة فظاهرتهم قريش بالسلاح كما تقدم فأتموا إليهم عهدهم أي أدوه اليهم كملا إلى مدتهم أي إلى انقضائها ولا تجروهم مجرى الناكثين قيل : بقى لبني ضمرة وبني مدلج حيين من كنانة من عهدهم تسعة أشهر فأتم إليهم عهدهم وأخرج ابن أبي حاتم أنه قال : هؤلاء قريش عاهدوا نبي الله صلى الله عليه وسلّم زمن الحديبية وكان بقي من مدتهم أربعة أشهر بعد يوم النحر فأمر الله تعالى شأنه نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم أن يوفي لهم بعهدهم ذلك إلى مدتهم وهو خلاف ما تظافرت به الروايات من أن قريشا نقضوا العهد على ما علمت والمعتمد هو الأول إن الله يحب المتقين .
4 .
- تعليل لوجوب الامتثال وتنبيه على أن مراعاة العهد من باب التقوى وأن التسوية بين الغادر والوفي منافية لذلك وإن كان المعاهد مشركا فإذا انسلخ الأشهر الحرم أي انقضت وأصله من السلخ بمعنى الكشط يقال : سلخت الإهاب عن الشاة أي كشطه ونزعته عنها ويخيء بمعنى الاخراج كما يقال : سلخت الشاة عن الاهاب اذا أخرجتها منه وذكر أبو الهيثم أنه يقال : أهللنا شهر كذا أي دخلنا فيه فنحن نزداد كل ليلة لباسا إلى نصفه ثم نسلخه عن أنفسنا جزأ فجزأ حتى ينقضي وأنشد : إذا ما سلخت الشهر أهللت مثله كفى قاتلا سلخى الشهور واهلالى والانسلاخ فيما نحن فيه استعارة حسنة وتحقيق ذلك أن الزمان محيط بما فيه من الزمانيات مشتمل عليه إشتمال الجلد على الحيوان وكذا كل جزء من أجزائه الممتدة كالأيام والشهور والسنين فاذا مضى فكأنه انسلخ عما فيه وفي ذلك مزيد لطف لما فيه من التلويح بأن تلك الأشهر كانت حرزا لأولئك المعاهدين عن غوائل أيدي المسلمين فنيط قتالهم بزوالها ومن هنا يعلم أن جعله إستعارة من المعنى الأولى للسلخ أولى من جعله من المعنى الثاني باعتبار أنه لما انقضى كأنه أخرج من الأشياء الموجودة إذ لا يظهر هذا التلويح عليه ظهور على الأول وأل في الأشهر للعهد فالمراد بها الأشهرالأربعة المتقدمة في قوله سبحانه : فسيحوا في الأرض أربعة أشهر وهو المروي عن مجاهد وغيره وفي الدر المصون أن العرب إذا ذكرت نكرة ثم أرادت ذكرها ثانيا بالضمير أو باللفظ معرفا بأل ولا يجوزأن تصفه حينئذ بصفة تشعر بالمغايرة