ألا ترى إلى وصية رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لأمراء السرايا حيث يقول لهم : إذا نزلتم بحصن فطلبوا النزول على حكم الله تعالى فأنزلوهم على حكمكم فإنكم لا تدرون أصادفتم حكم الله تعالى فيهم أم لا وإن طلبوا ذمة الله تعالى فأنزلوهم على ذمتكم فلأن تخفر ذمتكم خير من أن تخفر ذمة الله تعالى فانظر إلى أمره صلى الله تعالى عليه وسلم بتوقير ذمة الله تعالى مخافة أن تخفر وإن كان لم يحصل بعد ذلك الأمر المتوقع فتوقير عهد الله تعالى وقد تحقق من المشركين النكث وقد تبرأ منه تعالى ورسوله E بأن لا ينسب العهد المنبوذ إليه سبحانه أحرى وأجدر فلذلك نسب العهد للمسلمين دون البراءة منه ولا يخلو عن حسن إلا أنه غير واف وفاء ما قد سبق وقيل : إن ذكر الله تعالى للتمهيد كقوله سبحانه : لا تقدموا بين يدي الله ورسوله تعظيما لشأنه صلى الله تعالى عليه وسلم ولولا قصد التمهيد لأعيدت من كما في قوله D : كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله وإنما نسبت البراءة إلى الرسول E والمعاهدة إليهم لشركتهم في الثانية دون الأولى وتعقب بأنه لا يخفى ما فيه فإن من برأ الرسول E منه تبرأ منه المؤمنون وما ذكر من إعادة الجار ليس بلازم وما ذكره من التمهيد لا يناسب المقام لضعف التهويل حينئذ وقيل : ولك أن تقول : إنه إنما أضاف العهد إلى المسلمين لأن الله تعالى علم أن لا عهد لهم وأعلم به رسوله E فلذا لم يضف العهد إليه لبراءته منهم ومن عهدهم في الأزل وهذه نكتة الإتيان بالجملة إسمية خبرية وإن قيل : إنها إنشائية للبراءة منهم ولذا دلت على التجدد .
وفيه أن حديث الأزل لا يتأتى في حق الرسول E ظاهرا وبالتأويل لا يبعد إعتبار المسلمين أيضا ونكتة الإتيان بالجملة الإسمية وهي الدلالة على الدوام والإستمرار لا تتوقف على ذلك الحديث فقد ذكرها مع ضم نكتة التوسل إلى التهويل بالتنكير التفخيمي من لم يذكره فسيحوا في الأرض أي سيروا فيها حيث شئتم وأصل السياحة جريان الماء وانبساطه ثم استعملت في السير على مقتضى المشيئة ومنه قوله : لو خفت هذا منك ما نلتني حتى ترى خيلا أمامي تسيح ففي هذا الأمر من الدلالة على كمال التوسعة والترفيه ما ليس في سيروا ونظائره وزيادة في الأرض زيادة في التعميم والكلام بتقدير القول أي فقولوا لهم سيحوا أو بدونه وهو الإلتفات من الغيبة إلى الخطاب والمقصود الإباحة والإعلام بحصول الأمان من القتل والقتال في المدة المضروبة وذلك ليتفكروا ويحتاطوا ويستعدوا بما شاءوا ويعلموا أن ليس لهم بعد إلا الإسلام أو السيف ولعل ذلك يحملهم على الإسلام ولأن المسلمين لو قاتلوهم عقيب إظهار النقض فربما نسبوا إلى الخيانة فامهلوا سدا لباب الظن وإظهارا لقوة شوكتهم وعدم إكتراثهم بهم وبإستعدادهم وللمبالغة في ذلك أختيرت صيغة الأمر دون فلكم أن تسيحوا والفاء لترتيب الأمر بالسياحة وما يعقبه على ما يؤذن به البراءة المذكورة من الحرب على أن الأول مترتب على نفسه والثاني بكلا متعلقيه على عنوان كونه من الله العزيز جل شأنه كأنه قيل : هذه براءة موجبة لقتالكم فاسعوا في تحصيل ما ينجيكم وإعداد ما يجديكم أربعة أشهر وهي شوال وذو العقدة وذو الحجة والمحرم عند الزهري لأن الآية نزلت في الشهر الأول وقيل : إنها وإن نزلت فيه إلا أن قراءتها على الكفار وتبليغها إليهم كان يوم الحج الأكبر فابتداء المدة عاشر ذي الحجة إلى إنقضاء عشر شهر ربيع الآخر وروي ذلك عن