في أول براءة وروي عن عاصم التسمية أولها وهو القياس لأن إسقاطها إما لأنها نزلت بالسيف أو لأنهم لم يقطعوا بأنها سورة مستقلة بل من الأنفال ولا يتم الأول لأنه مخصوص بمن نزلت فيه ونحن إنما نسمي للتبرك ألا ترى أنه يجوز بالإتفاق بسم الله الرحمن الرحيم وقاتلوا المشركين الآية ونحوها وإن كان الترك لأنها ليست مستقلة فالتسمية في أول الأجزاء جائزة وروي ثبوتها في مصحف ابن مسعود رضي الله تعالى عنه .
وذهب ابن متادر إلى قراءتها وفي الإقناع جوازها والحق إستحباب تركها حيث أنها لم تكتب في الإمام ولا يقتدى بغيره وأما القول بحرمتها ووجوب تركها كما قاله بعض المشايخ الشافعية فالظاهر خلافه ولا أرى في الإتيان بها بأسا لمن شرع في القراءة من أثناء السورة والله تعالى أعلم برآءة من الله ورسوله أي هذه براءة والتنوين للتفخيم و من إبتدائية كما يؤذن به مقابلتها بإلى متعلقة بمحذوف وقع صفة للخبر لفساد تعلقه به أي واصلة من الله وقدروه بذلك دون حاصلة لتقليل التقدير لأنه يتعلق به إلى الآتي أيضا وجوز أن تكون مبتدأ لتخصيصها بصفتها وخبره قوله تعالى : إلى الذين عاهدتم من المشركين .
1 .
- .
وقرأ عيسى بن عمرو براءة بالنصب وهي منصوبة باسمعوا أو الزموا على الإغراء وقرأ أهل نجران من الله بكسر النون على أن الأصل في تحريك الساكن الكسر لكن الوجه الفتح مع لام التعريف هربا من توالي الكسرتين وإنما لم يذكر ما تعلق به البراءة حسبما ذكر في قوله تعالى : إن الله بريء من المشركين إكتفاء بما في حيز الصلة فإنه منبيء عنه أنباء ظاهرا واحترازا عن تكرار لفظ من والعهد العقد الموثق باليمين والخطاب في عاهدتم للمسلمين وقد كانوا عاهدوا مشركي العرب من أهل مكة وغيرهم بإذن الله تعالى وإتفاق الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فنكثوا إلأ بني ضمرة وبني كنانة وأمر المسلمون بنبذ العهد إلى الناكثين وأمهلوا أربعة أشهر ليسيروا حيث شاءوا .
وإنما نسبت البراءة إلى الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم مع شمولها للمسلمين في إشتراكهم في حكمها ووجوب العمل بموجبها وعلقت المعاهدة بالمسلمين خاصة مع كونها بإذن الله تعالى وإتفاق الرسول E للانباء عن تنجزها وتحتمها من غير توقف على رأي المخاطبين لأنها عبارة عن إنهاء حكم الأمان ورفع الخطر المترتب على العهد السابق عن التعرض للكفرة وذلك منوط بجانب الله تعالى من غير توقف على شيء أصلا وإشتراك المسلمين إنما هو على طريقة الإمتثال لا غير وأما المعاهدة فحيث كانت عقدا كسائر العقود الشرعية لا تتحصل ولا تترتب عليها الأحكام إلا بمباشرة المتعاقدين على وجه لا يتصور صدوره منه تعالى وإنما الصادر عنه سبحانه الأذن في ذلك وإنما المباشر له المسلمون ولا يخفى أن البراءة إنما تتعلق بالعهد لا بالأذن فيه فنسبت كل واحدة منهما إلى من هو أصل فيها على أن في ذلك تفخيما لشأن البراءة وتهويلا لأمرها وتسجيلا على الكفرة بغاية الذل والهوان ونهاية الخزي والخذلان وتنزيها لساحة الكبرياء عما يوهم شائبة النقص والبداء تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وإدراجه صلى الله تعالى عليه وسلم في النسبة الأولى وإخراجه عن الثانية لتنويه شأنه الرفيع صلى الله تعالى عليه وسلم في كلا المقامين كذا حرره بعض المحققين وهو توجيه وجيه وزعم بعضهم أن المعاهدة لما لم تكن واجبة بل مباحة مأذونة نسبت إليه بخلاف البراءة فإنها واجبة بإيجابه تعالى فلذا نسبت للشارع وهو كما ترى وذكر ابن المنير في سر ذلك أن نسبة العهد إلى الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم في مقام نسب فيه النبذ من المشركين لا يحسن أدبا