أخرج أحمد والترمذي وحسنه والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : لما كان يوم بدر جيء بالأسارى وفيهم العباس فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : ما ترون في هؤلاء الأسارى فقال أبوبكر رضي الله تعالى عنه : يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم لعل الله تعالى أن يتوب عليهم وقال عمر رضي الله تعالى عنه : يا رسول الله كذبوك وأخرجوك وقاتلوك قدمهم فاضرب أعناقهم وقال عبدالله بن رواحة رضي الله تعالى عنه : يا رسول الله انظر واديا كثير الحطب فاضرمه عليهم نارا فقال العباس وهو يسمع ما يقول : قطعت رحمك فدخل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ولم يرد عليهم شيئا فقال أناس يأخذ بقول أبي بكر وقال أناس : يأخذ بقول عمر وقال أناس : يأخذ بقول عبدالله ابن رواحة فخرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : إن الله تعالى ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن وإن الله سبحانه ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم عليه السلام قال : من تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى عليه السلام إذ قال : إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ومثلك يا عمر كمثل موسى عليه السلام إذ قال : ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ومثلك يا عمر مثل نوح إذ قال : رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا أنتم عالة فلا يفلتن أحد إلا بفداء أو ضرب عنق فقال عبدالله رضي الله تعالى عنه : يا رسول الله إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام فسكت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فما رأيتني في يوم أخوف من أن تقع علي الحجارة من السماء مني في ذلك اليوم حتى قال رسول الله E : إلا سهيل بن بيضاء .
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال عمر رضي الله تعالى عنه : فهوى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ما قال أبوبكر ولم يهو ما قلت وأخذ منهم الفداء فلما كان الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأبوبكر قاعدان يبكيان قلت : يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد تباكيت لبكائكما فقال رسول الله E : أبكي على أصحابك في أخذهم الفداء ولقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه صلى الله تعالى عليه وسلم .
واستدل بالآية على أن الأنبياء عليهم السلام قد يجتهدون وأنه قد يكون الوحي على خلافه ولا يقرون على الخطأ وتعقب بأنها إنما تدل على ذلك لو لم يقدر في ما كان لنبي لأصحاب نبي ولا يخفى أن ذلك خلاف الظاهر مع أن الأذن لهم فيما اجتهدوا فيه إجتهاد منه E إذ لا يمكن أن يكون تقليدا لأنه لا يجوز له التقليد وأما إنها إنما تدل على إجتهاد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا إجتهاد غيره من الأنبياء عليهم السلام فغير وارد لأنه إذا جاز له E جاز لغيره بالطريق الأولى وتمام البحث في كتب الأصول لكن بقي ههنا شيء وهو أنه قد جاء من إجتهد وأخطأ فله أجر ومن إجتهد وأصاب فله أجر إلى عشرة أجور فهل بين ما يقتضيه الخبر من ثبوت الأجر الواحد للمجتهد المخطيء وبين عتابه على ما يقع منه منافاة أم لا لم أر من تعرض لتحقيق ذلك وإذا قيل : بالأول لا يتم الإستدلال بالآية كما لا يخفى لولا كتاب من الله سبق قيل : أي لولا حكم منه تعالى سبق إثباته في اللوح المحفوظ وهو أن لا يعذب قوما قبل تقديم ما يبين لهم أمرا أو نهيا وروى ذلك