ولا يلتفت إليها فيقدم على الجهاد بقلب قوي وعزم صحيح فيقوم الواحد من مثله مقام الكثير انتهى .
وتعقب بأن كلام حق لكنه لا يلائم المقام الآن خفف عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : لما نزلت إن يكن منكم عشرون الخ شق ذلك على المسلمين إذ فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة فجاء التخفيف وكان ذلك كما قيل بعد مدة وقيل : كان فيهم قلة في الإبتداء ثم لما كثروا بعد نزل التخفيف وهل يعد ذلك نسخا أم لا قولان إختار مكي الثاني منهما وقال : إن الآية مخففة ونظير ذلك التخفيف على المسافر بالفطر وذهب الجمهور إلى الأول وقالوا : إن الآية ناسخة وثمرة الخلاف قيل تظهر فيما إذا قاتل واحد عشرة فقتل هل يأثم أم لا فعلى الأول لايأثم وعلى الثاني يأثم والضعف الطاريء بعد عدم القوة البدنية على الحرب لأنه قد صار فيهم الشيخ والعاجز ونحوهما وكانوا قبل ذلك طائفة منحصرة معلومة قوتهم وجلادتهم أو ضعف البصيرة والإستقامة وتفويض النصر إلى الله تعالى إذ حدث فيهم حديثو عهد بالإسلام ليس لهم ما للمتقدمين من ذلك وذكر بعضهم في بيان كون الكثرة سببا للضعف أن بها يضعف الإعتماد على الله تعالى والتوكل عليه سبحانه ويقوى جانب الإعتماد على الكثرة كما في حنين والأول هو الموجب للقوة كما يرشد إليه وقعة بدر ومن هنا قال النصراباذي : إن هذا التخفيف كان للأمة دون رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فإنه الذي يقول بك أصول وبك أحول وتقييد التخفيف بالآن ظاهر وأما تقييد علم الله تعالى به فبإعتبار تعلقه وقد قالوا : إن له تعلقا بالشيء قبل الوقوع وحال الوقوع وبعده وقال الطيبي : المعنى الآن خفف الله تعالى عنكم لما ظهر متعلق علمه أي كثرتكم التي هي موجب ضعفكم بعد ظهور قلتكم وقوتكم وقرأ أكثر القراء ضعفا بضم الضاد وهي لغة فيه كالفقر والمكث .
ونقل عن الخليل أن الضعف بالفتح ما في الرأي والعقل وبالضم ما في البدن وقرأ أبو جعفر ضعفاء جمع ضعيف وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر يكن المسند إلى المائة في الآيتين بالتاء إعتبارا للتأنيث اللفظي ووافقهم أبو عمرو ويعقوب في يكن في الآية الثانية لقوة التأنيث بالوصف بصابرة المؤنث وأما إن يكن منكم عشرون فالجميع على التذكير فيه نعم روي عن الأعرج أنه قرأ بالتأنيث والله مع الصابرين .
66 .
- تذييل مقرر لمضمون ما قبله وفي النظم الكريم صنعة الإحتباك قال في البحر : انظر إلى فصاحة هذا الكلام حيث أثبت قيدا في الجملة الأولى وهو صابرون وحذف نظيره من الثانية وأثبت قيدا في الثانية وهو من الذين كفروا وحذفه من الأولى ولما كان الصبر شديد المطلوبية أثبت في جملتي التخفيف وحذف من الثانية لدلالة السابقة عليه ثم ختم الآية بقوله سبحانه : والله مع الصابرين مبالغة في شدة المطلوبية ولم يأت في جملتي التخفيف بقيد الكفر إكتفاء بما قبله انتهى .
وذكر الشهاب أنه بقي عليه أنه سبحانه ذكر في التخفيف بإذن الله وهو قيد لهما وأن قوله تعالى : والله مع الصابرين إشارة إلى تأييدهم وأنهم منصورون حتما لأن من كان الله تعالى معه لا يغلب وأنا أقول : لا يبعد أن يكون في قوله تعالى : والله مع الصابرين تحريض لهم على الصبر بالإشارة إلى أن أعداءهم إن صبروا كان الله تعالى معهم فأمدهم ونصرهم وبقي في هذا الكلام الجليل لطائف غير ما ذكر الله تعالى در التنزيل ما أعذب ماء فصاحته وأنضر رونق بلاغته ما كان لنبي قرأ أبو الدرداء وأبو حيوة للنبي بالتعريف والمراد به نبينا