مستمرين على حال مصححة لإفاضة نعم الإمهال وسائر النعم الدنيوية عليهم كصلة الرحم والكف عن تعرض الآيات والرسل عليهم السلام فلما بعث النبي صلى الله تعالى عليه وسلم غيروها على أسوء حال منها وأسخط حيث كذبوه E وعادوه ومن تبعه من المؤمنين وتحزبوا عليهم وقطعوا أرحامهم فغير الله تعالى ما أنعم به عليهم من نعمة الإمهال ووجه إليهم نبال العقاب والنكال وقيل : إنهم لما كانوا متمكنين من الإيمان ثم لم يؤمنوا كان ذلك كأنه حاصل لهم فغيروه كما قيل في قوله تعالى : أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ولا يخلو عن حسن وجعل بعضهم الإشارة إلى ما حل بهم ثم أنه لما رأى أن إنتفاء تغيير الله تعالى حتى يغيروا لا يقتضي تحقق تغييره إذا غيروا وأن العدم ليس سببا للوجود هنا وأيضا عدم التغيير صارف عما حل بهم لا موجب له بحسب الظاهر قال : إن السبب ليس منطوق الآية بل مفهومها وهو جرى عادته سبحانه على التغيير حين غيروا حالهم فالسبب ليس إنتفاء التغيير بل التغيير قيل : وإنما أوثر التعبير بذلك لأن الأصل عدم التغيير من الله تعالى لسبق إنعامه ورحمته ولأن الأصل فيهم الفطرة وأما جعله عادة جارية فبيان لما استقر عليه الحال من ذلك لا أن كونه عادة له دخل في السببية ولا يخفى أن ما ذكرناه أسلم من القيل والقال على أن ما فعله البعض لا يخلو بعد عن مقال فتدبر وأصل يك يكن فحذفت النون تخفيفا لشبهها بأحرف العلة في أنها من الزوائد وهي تحذف من أحرف المجزوم فلذا حذفت هذه وهو مختص بهذا الفعل لكثرة إستعماله وأن الله سميع عليم .
35 .
- عطف على أن لله الخ داخل معه في حيز التعليل أي وسبب أنه تعالى سميع عليم يسمع ويعلم جميع ما يأتون ويذرون من الأقوال والأفعال السابقة واللاحقة فيرتب على كل منها ما يليق من إبقاء النعمة وتغييرها وقريء وأن الله بكسر الهمزة فالجملة حينئذ إستئناف مقرر لمضمون ما قبله كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بأيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم إستئناف آخر على ما ذكره بعض المحققين مسوق لتقرير ما سيق له الإستئناف الأول بتشبيه دأبهم بدأب المذكورين لكن لا بطريق التكرير المحض بل بتغيير العنوان وجعل الدأب في الجانبين عبارة عما يلازم معناه الأول من تغيير الحال وتغيير النعمة أخذا مما نطق به قوله تعالى : ذلك بأن الله لم يك مغيرا الخ أي دأب هؤلاء وشأنهم الذي هو عبارة عن التغييرين المذكورين كدأب أولئك حيث غيروا حالهم فغير الله تعالى نعمته عليهم فقوله سبحانه : كذبوا بآيات ربهم تفسير لدأبهم الذي فعلوه من تغييرهم لحالهم وأشير بلفظ الرب إلى أن ذلك التغيير كان بكفران نعمه تعالى لما فيه من الدلالة على أنه مربيهم المنعم عليهم وقوله سبحانه : فأهلكناهم تفسير لدأبهم الذي فعل بهم من تغييره تعالى ما بهم من نعمته جل شأنه .
وفي الإهلاك رمز إلى التغيير ولذا عبر به دون الأخذ المعبر به أولا وليس الأخذ مثله في ذلك ألا ترى أنه كثيرا ما يطلق الإهلاك على إخراج الشيء عن نظامه الذي هو عليه ولم نر إطلاق الأخذ على ذلك وقيل : إنما عبر أولا بالأخذ وهنا بالإهلاك لأن جنايتهم هنا الكفران وهو يقتضي أعظم النكال والإهلاك مشير إليه ولا كذلك ما تقدم وفيه نظر وأما دأب قريش فمستفاد مما ذكر بحكم التشبيه فلله تعالى در التنزيل حيث اكتفى في كل من التشبيهين بتفسير أحد الطرفين وفي الفوائد أن هذا ليس بتكرير لأن معنى الأول حال هؤلاء كحال آل فرعون في الكفر فأخذهم وأتاهم العذاب ومعنى الثاني حال هؤلاء كحال آل فرعون