كلام الله تعالى المجيد وفيه وجوه أخر مر لك بعضها وقوله تعالى : كدأب آل فرعون خبر مبتدأ محذوف أي دأب هؤلاء كائن كدأب الخ والجملة إستئناف مسوق لبيان أن ما حل بهم من العذاب بسبب كفرهم لا بشيء آخر حيث شبه حالهم بحال المعروفين بالإهلاك لذلك لزيادة تقبيح حالهم وللتنبيه على أن ذلك سنة مطردة فيما بين الأمم المهلكة والدأب العادة المستمرة ومنه قوله : وما زال ذلك الدأب حتى تجادلت هوازن وارفضت سليم وعامر والمراد شأنهم الذي إستمروا عليه مما فعلوا وفعل بهم من الأخذ كدأب آل فرعون المشهورين بقباحة الأعمال وفظاعة العذاب والنكال والذين من قبلهم أي من قبل آل فرعون وأصحابه من الأمم الذين فعلوا ما فعلوا ولقوا من العذاب ما لقوا كقوم نوح وعاد وأضرابهم وقوله تعالى : كفروا بأيات الله تفسيرا لدأبهم لكن بملاحظة أنه الذي فعلوه لا لدأب آل فرعون ومن بعدهم فإن ذلك معلوم منه بقضية التشبيه .
والجملة لا محل لها من الإعراب لما أشير إليه وكذا على ماقيل : من أنها مستأنفة إستئنافا نحويا أو بيانيا وقيل : إنها حالية بتقدير قد فهي في محل نصب وقوله سبحانه : فأخذهم الله بذنوبهم عليها وحكمه في التفسير حكمها لكن بملاحظة الدأب الذي فعل بهم والفاء لبيان كونه من لوازم جناياتهم وتبعاتها المتفرعة عليها .
وذكر الذنوب لتأكيد ما أفادته الفاء من السببية مع الإشارة إلى أن لهم مع كفرهم ذنوبا أخر لها دخل في إستتباع العقاب وجوز أن يراد بذنوبهم معاصيهم المتفرعة على كفرهم فيكون الباء للملابسة أي فأخذهم ملتبسين بذنوبهم غير تائبين عنها وجعل العذاب من جملة دأبهم مع أنه ليس مما يتصور مداومتهم عليه واعتيادهم إياه كما هو المعتبر في مدلول الدأب كما عرفت إما لتغليب ما فعلوه على ما فعل بهم أو لتنزيل مدوامتهم على ما يوجبه من الكفر والمعاصي بمنزلة مداومتهم عليه لما بينهما من الملابسة التامة وإلى كون المراد بدأبهم مجموع ما فعلوه وما فعل بهم يشير ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : إن آل فرعون أيقنوا بأن موسى عليه السلام نبي الله تعالى فكذبوه كذلك هؤلاء جاءهم محمد صلى الله تعالى عليه وسلم بالصدق فكذبوه فأنزل الله تعالى لهم عقوبة كما أنزل بآل فرعون وإلى ذلك ذهب ابن الخازن وغيره وقيل : المراد بدأبهم ما فعلوا فقط وقيل : ما فعل بهم فقط وليس بشيء .
وقوله سبحانه : إن الله قوي شديد العقاب .
25 .
- إعتراض مقرر لمضمون ما قبله من الأخذ أي أنه سبحانه لا يغلبه غالب فيدفع عقابه عمن أراد معاقبته ذلك إشارة إلى ما يفيده النظم الكريم من كون ما حل بهم من العذاب منوطا بأعمالهم السيئة غير واقع بلا سابقة ما يقتضيه وهو مبتدأ خبره قوله سبحانه : بأن الله إلى آخره والباء للسببية والجملة مسوقة لتعليل ما أشير إليه أي ذلك كائن بسبب أن الله سبحانه لم يك مغيرا نعمة أنعمها أي لم ينبغ له سبحانه ولم يصح في حكمته أن يكون بحيث يغير نعمة أي نعمة كانت جلت أو هانت أنعم بها على قوم من الأقوام حتى يغيروا ما بأنفسهم أي ذواتهم من الأعمال والأحوال التي كانوا عليها وقت ملابستهم للنعمة ويتصفوا بما ينافيها سواء كانت أحوالهم السابقة مرضية صالحة أو أهون من الحالة الحادثة كدأب كفرة قريش المذكورين حيث كانوا قبل البعثة كفرة عبدة أصنام