بينهما ويؤيد هذا الوجه قراءة ابن عامر تتوفى بالتاء وجوز أبو البقاء أن يكون الفاعل ضمير الله تعالى والملائكة على هذا مبتدأ خبره جملة يضربون وجوههم والجملة الإسمية مستأنفة وعند أبي البقاء في موضع الحال ولم يحتج إلى الواو لأجل الضمير ومن يرى أنه لا بد فيها من الواو وتركها ضعيف يلتزم الأول وعلى الأول يحتمل أن يكون جملة يضربون مستأنفة وأن تكون حالا من الفاعل أو المفعول أو منهما لإشتمالها على ضميريهما وهي مضارعية يكتفى فيها بالضمير كما لا يخفى والمراد من وجوههم ما أقبل منهم ومن قوله سبحانه : وأدبارهم ما أدبر وهو كل الظهر وعن مجاهد أن المراد منه أستاههم ولكن الله تعالى كريم يكنى والأول أولى وذكرهما يحتمل أن يكون للتخصيص بهما لأن الخزي والنكال في ضربهما أشد ويحتمل أن يراد التعميم على حد قوله تعالى : بالغدو والآصال لأنه أقوى ألما والمراد من الذين كفروا قتلى بدر كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وغيره .
وروي عن الحسن أن رجلا قال لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشراك فقال E : ذلك ضرب الملائكة وفي رواية عن ابن عباس ما يشعر بالعموم فقد أخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال : آيتان يبشر بهما الكافر عند موته وقرأ ولو ترى الخ ولعل الرواية عنه رضي الله تعالى عنه لم تصح وذوقوا عذاب الحريق عطف على يضربون بإضمار القول أي ويقولون ذوقوا أو حال من ضميره كذلك أي ضاربين وجوههم وقائلين ذوقوا وهو على الوجهين من قول الملائكة المراد بعذاب الحريق عذاب النار في الآخرة فهو بشارة لهم من الملائكة بما هو أدهى وأمر مما هم فيه وقيل كان مع الملائكة يوم بدر مقامع من حديد كلما ضربوا المشركين بها التهبت النار في جراحاتهم وعليه فالقول للتوبيخ والتعبير بذوقوا قيل : للتهكم لأن الذوق يكون في المطعوعات المستلذة غالبا وفيه نكتة أخرى وهو أنه قليل من كثير وأنه مقدمة كأنموذج الذائق وبهذا الإعتبار يكون فيه المبالغة وأنه أشعر الذوق بقلته .
وذكر بعضهم : وهو خلاف الظاهر أن يحتمل أن يكون هذا القول من كلام الله تعالى كما في آل عمران ونقول ذوقوا عذاب الحريق وجواب لو محذوف لتفظيع الأمر وتهويله وتقديره ما أشرنا إليه سابقا وقدره الطيبي لرأيت قوة أوليائه ونصرهم على أعدائه ذلك أي الضرب والعذاب اللذان هما وهو مبتدأ خبره قوله تعالى : بما قدمت أيديكم والباء للسببية وتقديم الأيدي مجاز عن الكسب والفعل أي ذلك واقع بسبب ما كسبتم من الكفر والمعاصي وقوله سبحانه : وأن الله ليس بظلام للعبيد .
15 .
- قيل خبر مبتدأ محذوف والجملة إعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبلها أي والأمر أنه تعالى ليس بمعذب لعبيده من غير ذنب من قبلهم والتعبير عن ذلك بنفي الظلم مع أن تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم قطعا على ما تقرر من قاعدة أهل السنة فضلا عن كونه ظلما بالغا لبيان كمال نزاهته تعالى بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه تعالى من الظلم .
وقال البيضاوي بيض الله غرة أحواله : هو عطف على ما للدلالة على أن سببيته مقيدة بانضمامه إليه إذ لولاه لأمكن أن يعذبهم بغير ذنوبهم لا أن لا يعذبهم بذنوبهم فإن ترك التعذيب من مستحقه ليس بظلم شرعا ولا عقلا