للروح إضطراب وتحريك من ألاسباب الخارجة والداخلة فترى أمورا متغيرة متفرقة غير منضبطة فربما يتركب من المجموع صورة غير معهودة قلما يتصورها أحد أو يقع مثلها في الخارج وقد يكون ذلك لإتصالات فلكية وأوضاع سماوية فإذا كانت الرؤيا لأحد هذه الأمور تسمى أضغاث أحلام ولا تعبير لها ولا تقع .
وقد ذكروا أن أصدق الناس رؤيا أعدلهم مزاجا ومن كان مع ذلك منقطعا عن العلائق الشاغلة والخيالات الفاسدة معتادا للصدق متوجها إلى الرؤيا واستثباتها وكيفيتها كانت رؤياه أصح وأصدق وأكثر أحلام الكذاب والسكران والمغموم ومن غلب عليه سوء مزاج أو فكر أو خيالات فاسدة ومقتضيات قوى غضبية وشهوية كاذبة لا يعتمد عليها ومن هنا قالوا : لا إعتماد على رؤيا الشاعر لتعوده الأكاذيب الباطلة والتخيلات الفاسدة .
وذهب بعض أصحاب المكاشفات وأرباب المشاهدات من الحكماء المتأهلين والصوفية المنكرين لإرتسام الصور في الخيال إلى أن الرؤيا مشاهدة النفس صورا خيالية موجودة في عالم المثال الذي هو برزخ بين عالم المجردات اللطيفة المسمى عندهم بعالم الملكوت وبين عالم الموجودات العينية الكثيفة المسمى بعالم الملك وقالوا : فيه موجودات متشخصة مطابقة لما في الخارج من الجزئيات مثل لها قائمة بنفسها مناسبة لما في العالمين المذكورين إما لعالم الملك فلإنها صور جسمانية شبحية وإما لعالم الملكوت فلأنها معلقة غير متعلقة بمكان وجهة كالمجردات حتى أنه يرى صورا مثالية لشخص واحد في مرايا متعددة بل في مواضع متكثرة كما يرى بعض الأولياء في زمان واحد في أماكن متعددة شرقية وغربية ثم إن لتلك الصور مجالى مختلفة كالمرايا والماء الصافي والقوى الجسمانية سيما الباطنة إذا إنقطعت عن الإشتغال بالأمور الخارجية العائقة إذ بذلك يحصل لها زيادة مناسبة لذلك العالم كما للمتجردين عن العلائق البشرية وإذا قويت تلك المناسبة كما للأنبياء عليهم السلام والأولياء الكمل قدس الله تعالى أسرارهم تظهر في القوى الظاهرة أيضا ولهذا كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يشاهد جبريل عليه وسلم حين ما ينزل بالوحي والصحابة رضي الله تعالى عنهم حوله كانوا لايشاهدونه هذا واستشكل قول المتكلمين : إن الرؤيا خيالات باطلة بأنه قد شهد الكتاب والسنة بصحتها بل لم يكن أحد من الناس إلا وقد جربها من نفسه تجربة توجب التصديق بها وأجيب بأن مرادهم أن كون ما يتخيله النائم إدراكا بالبصر رؤية وكون ما يتخيله إدراكا بالسمع سمعا باطل فلا ينافي كونها أمارة لبعض الأشياء وذكر حجة الإسلام الغزالي عليه الرحمة في شرح قوله E : من رآني في المنام فقد رآني الحديث أنه ليس المراد بقوله E فقد رآني رؤية الجسم بل رؤية المثال الذي صار آلة يتأدى بها المعنى الذي في نفسه إليه ثم ذكر أن النفس غير المثال المتخيل فالشكل المرئي ليس روحه صلى الله تعالى عليه وسلم ولا شخصه بل مثاله على التحقيق وكذا رؤيته سبحانه نوما فإن ذاته تعالى منزهة عن الشكل والصورة لكن تنتهي تعريفاته تعالى إلى العبد بواسطة مثال محسوس من نور أو غيره وهو آلة حقا في كونه واسطة في التعريف فقول الرائي : رأيت الله تعالى نوما لا يعني به أنه رأى ذاته تعالى .
وقال أيضا : من رآه صلى الله تعالى عليه وسلم مناما لم يرد رؤيته حقيقة بشخصه المودع روضة المدينة رؤية مثاله وهو مثال روحه المقدسة E .
قيل : ومن هنا يعلم جواب آخر للإشكال وهو أن مرادهم أن ما يرى في المنام ليس له حقيقة ثابتة في