له مما إنتقش في البعض الآخر فتدرك النفس مما ارتسم في تلك المبادي ما يناسبها من أحوالها وأحوال ما يقارنها من الأقارب والأهل والولد والإقليم والبلد ماضيه وآتيه إلا أن هذا الإدراك لعدم تأديه من طرف الحس كلي فتحاكيه القوة المتخيلة التي جبلت محاكية لما يرد عليها بصور جزئية مثالية خيالية مناسبة إياه فتحاكي ما هو خير بالنسبة إليها في صورة جميلة وما هو شر كذلك في صورة قبيحة هائلة على مراتب مختلفة ووجوه متعددة ومن ثمة قد ترى ذاتها بصفة جميلة صورية ومعنوية من الجمال والعلم والكرم والشجاعة وغير ذلك من الصفات المحمودة وقد ترى ذاتها متصفة بأضداد ما ذكر وقد ترى تلك الصفات في صورة ما غلبت الصفات عليه بل قد ترى أنها نفسها صارت نوعا آخر لغلبة صفاته عليها ومتى غلبت عليها الصفات الجميلة والأخلاق الحميدة ترى صورا جميلة وأشخاصا حميدة كذوي الجمال والعلماء والأولياء والملائكة بل قد ترى أنها صارت عالما أو ملكا مثلا ومتى غلبت عليها الصفات الذميمة ترى صورا هائلة كصورة غولية أو سبعية وكذا رؤية حال من يقاربه من الأهل والولد والإقليم مثلا فإنها تراها بإعتبار اختلاف المراتب والمناسبات على ما هي عليه في المضي أو الحال أو الإستقبال حتى لو اهتمت بمصالح الناس رأتها ولو كانت منجذبة الهمة إلى المعقولات لاحت لها أشياء منها فمتى لم يكن اختلاف بين تلك الصورة وبين ما هي مأخوذة منه إلا بالكلية والجزئية كانت الرؤيا غير محتاجة إلى التعبير والتجاوز عنها إلى ما يناسبها بوجه من الممالة أو الضدية التي يقتضيها نحو الألف والخلق والأسباب السماوية وغير ذلك من وجوه خفية لا يطلع عليها إلا الأفراد من أئمة التعبير وإن كانت مخالفة لها لقصور يقع في المتخيلة إما لذاتها أو لعروض دهشة وحيرة لها مما ترى أو لغير ذلك كانت محتاجة إلى التعبير وهو أن يرجع المعبر القهقري مجردا لما يراه النائم عن تلك الصور التي صورتها المتخيلة إلى أن ينتهي بمرتبة أو مراتب إلى ما تلقته النفس من تلك المبادي فيكون هو الواقع وقد يتفق سيما إذا كان الرائي كثير الإهتمام بالرؤيا أن يعبر رؤياه في النوم الذي رآها فيه أو غيره فهو إما بتذكره لما كانت الرؤيا حكاية عنه وإما بتصوير المتخيلة حكاية رؤياه بحكاية أخرى وحينئذ يحتاج إلى تعبيرين .
وأما الثانية فهي تكون لأشياء إما لأن النفس إذا أحست في حال اليقظة بتوسط الآلات الجسمانية بصور جزئية محسوسة أو خيالية وبقيت مخزونة في قوة الخيال فعند النوم الذي يخلص فيه الحس المشترك عما يرد عليه من الحواس الظاهرة ترسم في الحس المشترك إرتسام المحسوسات إما على ما كانت عليها وإما بصورة مناسبة لها أو لأن النفس أتقنت بواسطة المتخيلة صورة ألفتها فعند النوم تتمثل في الحس المشترك أو لأن مزاج الدماغ يتغير فيتغير مزاج الروح الحاملة للقوة المتخيلة فتتغير أفعال المتخيلة بحسب تلك التغيرات ولذلك يرى الدموي الأشياء الحمر والصفراوي النيران والأشعة والسوداوي الجبال والأدخنة والبلغمي المياه والألوان البيض ومن هذا القبيل رؤية كون بدنه أو بعض أعضائه في الثلج أو الماء أو النار عند غلبة السخونة أو البرودة عليه ورؤية أنه يأكل أو يشرب أو يبول عند عروض الإحتياج إلى أحدها .
ومن العجائب في هذا الباب أنه إذا غلب المني واحتاجت الطبيعة إلى دفعه تحتال باستعانة القوة المتخيلة إلى تصوير ما يندفع به من الصور الحسنة وفي إرسال الريح الناشرة لآلة الجماع وإرادة حركاتها حتى يندفع بذلك ما أرادت إندفاعه وقد يكون ذلك التوجه والإعتياد لا لغلبة المني فلهذا قد لا يندفع به شيء وقد يعرض