والملائكة والنصر على أن المراد بالإنزال مجرد الإيصال والتيسير فيشمل الكل شمولا حقيقيا فالموصول عام ولا جمع بين الحقيقة والمجاز خلافا لمن توهم فيه وجعل الإيمان بهذه الأشياء من موجبات العلم بكون الخمس لله تعالى على الوجه المذكور من حيث أن الوحي ناطق بذلك وأن الملائكة والنصر لما كانا منه تعالى وجب أن يكون ما حصل بسببهما من الغنيمة مصروفا إلى الجهات التي عينها الله سبحانه والله على كل شيء قدير .
14 .
- ومن آثار قدرته جل شأنه ما شاهدتموه يوم التقى الجمعان إذ أنتم بالعدوة الدنيا بدل من يوم أو معمول لاذكروا مقدرا وجوز أبو البقاء أن يكون ظرفا لقدير وليس بشيء والعدوة بالحركات الثلاث شط الوادي وأصله من العدو التجاوز والقراءة المشهورة الضم والكسر وهو قراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب .
وقرأ الحسن وزيد بن علي وغيرهما بالفتح وكلها لغات بمعنى ولا عبرة بإنكار بعضها و الدنيا تأنيث الأدنى أي إذ أنتم نازلون بشفير الوادي الأقرب إلى المدينة وهم أي المشركون بالعدوة القصوى أي البعدى من المدينة وهو تأنيث الأقصى وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما القصيا ومن قواعدهم أن فعلى من ذوات الواو إذا كان اسما تبدل لامه ياء كدنيا فإنه من دنا يدنو إذا قرب ولم يبدل من قصوى على المشهور لأنه بحسب الأصل صفة ولم يبدل فيها الفرق بين الصفة والإسم وإذا أعتبر غلبته وأنه جرى مجرى الأسماء الجامدة قيل قصيا وهي لغة تميم والأولى لغة أهل الحجاز ومن أهل التصريف من قال : إن اللغة الغالبة العكس فإن كانت صفة أبدلت اللام نحو العليا وإن كانت إسما أقرت نحو حزوى قيل : فعلى هذا القصوى شاذة والقياس قصيا وعنوا بالشذوذ مخالفة القياس لا الإستعمال فلا تنافي الفصاحة وذكروا في تعليل عدم الإبدال بالفرق أنه إنما لم يعكس الأمر وإن حصل به الفرق أيضا لأن الصفة أثقل فأبقيت على الأصل الأخف لثقل الإنتقال من الضمة إلى الياء ومن عكس أعطى الأصل للأصل وهو الإسم وغير في الفرع للفرق والركب أي العير أو أصحابها أبو سفيان وأصحابه وهو اسم جمع راكب لا جمع على الصحيح أسفل منكم أي في مكان أسفل من مكانكم يعني ساحل البحر وهو نصب على الظرفية وفي الأصل صفة للظرف كما أشرنا إليه ولهذا انتصب إنتصابه وقام مقامه ولم ينسلخ عن الوصفية خلافا لبعضهم وهو واقع موقع الخبر وأجاز الفراء والأخفش رفعه على الإتساع أو بتقدير موضع الركب أسفل والجملة عطف على مدخول إذ أي إذ أنتم الخ وإذ الركب الخ .
واختار الجمهور أنها في موضع الحال من الضمير المستتر في الجار والمجرور قبل ووجه الأطناب في الآية مع حصول المقصود بأن يقال : يوم الفرقان يوم النصر والظفر على الأعداء مثلا تصوير ما دبر سبحانه من أمر وقعة بدر والإمتنان والدلالة على أنه من الآيات الغر المحجلة وغير ذلك وهذا مراد الزمخشري بقوله فائدة هذا التوقيت وذكر مراكز الفريقين وأن العير كان أسفل منهم الأخبار عن الحال الدالة على قوة شأن العدو وشوكته وتكامل عدته وتمهد أسباب العدة له وضعف شأن المسلمين والتياث أمرهم وإن غلبتهم في مثل هذه الحال ليست إلا صنعا من الله تعالى ودليلا على أن ذلك أمر لم يتيسر إلا بحوله سبحانه وقوته وباهر قدرته وذلك أن العدوة القصوى التي أناخ بها المشركون كان فيها الماء وكانت أرضا لا بأس بها ولا ماء بالعدوة الدنيا وهي خبار تسوخ فيها الأرجل وكانت العير وراء ظهر العدو مع كثرة عددهم فكانت الحماية دونها تضاعف حميتهم