وفيه أن من البين أن عموم الإصابة ليس مسببا عن عدم الإصابة ولا عن الأمر وظاهر التعبير يقتضيه وقال بعض المحققين : إن ذلك على رأي الكوفيين من تقدير ما يناسب الكلام وعدم إلتزام كون المقدر من جنس الملفوظ نفيا أو إثباتا فيقدرون في نحو لا تدن من الأسد يأكك الإثبات أي إن تدن يأكلك وفي نحو اتقوا فتنة النفي أي إن لم تتقوا تصبكم واعترض عليه بأن ذلك القائل لم يقدر لا هذا ولا ذاك وإنما قدر ما يستقيم به المعنى من غير نظر إلى مضمون الأمر أو نقيضه وأجيب بأن مراده أن التقدير إن لم تتقوا تصبكم وإن أصابتكم لا تختص بالظالمين فأقيم جواب الشرط الثاني مقام جواب الشرط المقدر الذي هو نقيض الأمر لتسببه عنه وما أورد على هذا من أنه لا حاجة إلى إعتبار الواسطة حينئذ إذ يكفي أن يقال : إن لم تتقوا لا تصب الظالمين خاصة فمع كونه مناقشة لفظية مدفوع بأدنى تأمل لأن عدم إختصاص إصابة الفتنة بالظالمين كما يكون بعموم الإصابة لهم ولغيرهم كذلك يكون بعدم إصابتها لهم رأسا فلابد من إعتبار الواسطة قطعا .
وقال بعض المتأخرين : مراد من قدر إن أصابتكم إن لم تتقوا على مذهب من يرى تقدير النفي لكنه عبر عنه بأصابت لتلازمها فلا يرد حديث الواسطة نعم قيل : إن جواب الشرط متردد فلا يليق تأكيده بالنون إذ التأكيد يقتضي دفع التردد وأجيب بأنه هنا 1 طلبي معنى فيؤكد كما يؤكد الطلبي وهو لا ينافيه التردد في وقوعه لأنه لا تردد في طلبه على أنه قيل : إنه وإن كان مترددا في نفسه لكونه معلقا بما هو متردد وهو الشرط لكنه ليس بمتردد بحسب الشرط وعلى تقدير وقوعه فيليق به التأكيد بذلك الإعتبار وأنت تعلم أن ابن جني رجح أن المنفيبلا يؤكد في السعة لشبهه بالنهي كما في قوله سبحانه : ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وقال ناصرالدين : إن هذا الجواب لما تضمن معنى النهي ساغ توكيده ووجهه أن النفي إذا كان مطلوبا كان في معنى النهي وفي حكمه فيجوز فيه التأكيد كالنهي الصريح ولا خفاء في أن عدم كونهم بحيث تصيبهم الفتنة مطلوب كما أن عدم كونهم يحطمهم سليمان وجنوده كذلك وجوز أن تكون الجملة المنفية في موضع النصب صفة لفتنة واعترض بأن فيه شذوذا لأن النون لا تدخل المنفي في غير القسم وقد يجاب بأنك قد عرفت أن ابن جني وكذا بعض النحاة جوز ذلك وقد إرتضاه ابن مالك في التسهيل نعم ما ذكر كلام الجمهور .
وقال أبو البقاء وغيره : يحتمل أن تكون لا ناهية والجملة في موضع الصفة أيضا لكن على إرادة القول كقوله : حتى إذا جن الظلام واختلط .
جاؤا بمذق هل رأيت الذئب قط لأن المشهور أن الجملة الإنشائية نهيا كانت أو غيرها لا تقع صفة ونحوها إلا بتقدير القول وقد صرحوا بأن قولك : مررت برجل أضربه بتقدير مقول فيه أضربه وليس المقصود بالمقولية الحكاية بل إستحقاقه لذلك حتى كأنه مقول فيه ومن الناس من جوز الوصف بذلك باعتبار تأويله بمطلوب ضربه فلا يتعين تقدير القول وأن تكون الجملة جواب قسم محذوف أي والله لا تصيبن الظالمين خاصة بل تعم وحينئذ يظهر أمر التأكيد وأيد ذلك بقراءة علي كرم الله تعالى وجهه وزيد بن ثابت وأبي وابن مسعود والباقر والربيع وأبو العالية لتصيبن فإن الظاهر فيها القسمية وقيل : إن الأصل لا إلا أن الألف حذفت تخفيفا كما قالوا : أم والله وقال بعضهم :