فهذا من فروع التمكن الذي أشرنا إليه ولا يختص أمره بما ذكر وقد حال سبحانه بين العدلية وبين إعتقاد هذا فعدلوا عن سواء السبيل وبين بعض الأفاضل ربط الآيات على ذلك بأنه تعالى لما نص بقوله عز من قائل : لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم الخ على أن الإسماع لا ينفع فيهم تسجيلا على أولئك الصم البكم من على المؤمنين بما منحهم من الإيمان ويسر لهم من الطاعة كأنه قيل : إنكم لستم مثل أولئك المطبوعين على قلوبهم فإنهم إنما امتنعوا عن الطاعة لأنهم ما خلقوا إلا للكفر فما تيسر لهم الإستجابة وكل مسير لما خلق له فأنتم لما منحتم الإيمان ووفقتم للطاعة فاستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما فيه حياتكم من مجاهدة الكفار وطلب الحياة الأبدية واغتنموا تلك الفرصة واعلموا أن الله تعالى قد يحول بين المرء وقلبه بأن يحول بينه وبين الإيمان وبينه وبين الطاعة ثم يجازيه في الآخرة بالنار وتلخيصه أوليتكم النعمة فاشكروها ولا تكفروها لئلا أزيلها عنكم اه .
ولا يخفى ما فيه من التكليف وقيل : إن القوم لما دعوا إلى القتال والجهاد وكانوا في غاية الضعف والقلة خافت قلوبهم وضاقت صدورهم فقيل لهم : قاتلوا في سبيل الله تعالى إذا دعيتم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه فيبدل الأمن خوفا والجبن جرأة وقريء بين المر بتشديد الراء على حذف الهمزة ونقل حركتها إليها وإجراء الوصل مجرى الوقف وأنه أي الله D أو الشأن إليه تحشرون .
42 .
- لا إلى غيره فيجازيكم بحسب مراتب أعمالكم التي لم يخف عليه شيء منها فسارعوا إلى طاعته وطاعة رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم وبالغوا في الإستجابة وقيل : المعنى أنه تحشرون إليه تعالى دون غيره فيجازيكم فلا تألوا جهدا في إنتهاز الفرصة أو المعنى أنه المتصرف في قلوبكم في الدنيا ولا مهرب لكم عنه في الآخرة فسلموا الأمر إليه عز شأنه ولا تحدثوا أنفسكم بمخالفته .
وزعم بعضهم أنه سبحانه لما أشار في صدر الآية إلى أن السعيد من أسعده والشقي من أضله وأن القلوب بيده يقلبهما كيفما يشاء ويخلق فيها الدواعي والعقائد حسبما يريد ختمها بما يفيد أن الحشر إليه ليعلم أنه مع كون العباد مجبورين خلقوا مثابين معاقبين إما للجنة وإما للنار لا يتركون مهملين معطلين وأنت تعلم أن الآية لا دلالة فيها على الجبر بالمعنى المشهور وليس فيها عند من أنصف بعد التأمل أكثر من إنتهاء الأمور بالآخرة إليه عز شأنه واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة أي لا تختص إصابتها لمن يباشر الظلم منكم بل تعمه وغيره والمراد بالفتنة الذنب وفسر بنحو إقرار المنكر والمداهنة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وافتراق الكلمة وظهور البدع والتكاسل في الجهاد حسبما يقتضيه المعنى والمصيب على هذا هو الأثر كالشامة والوبال وحينئذ إما أن يقدر أو يتجوز في إصابته وجوز أن يراد به العذاب فلا حاجة إلى التقدير أو التجوز فيما ذكر لأن إصابته بنفسه وكذا لا حاجة إلى إرتكاب تقدير في جانب الأمر ولا إلتزام إستخدام و لا نافية والجملة المنفية قيل جواب الأمر على معنى أن إصابتكم لا تصيب الظالمين منكمواعترض بأن جواب الأمر إنما يقدر فعله من جنس الأمر المظهر لا من جنس الجواب ولو قدر ذلك وفاء بالقاعدة فسد المعنى إذ يكون إن تتقوا الفتنة تعمكم إصابتها ولا تختص بالظالمين منكم وهو كما ترى وأجيب بأن أصل الكلام واتقوا فتنة لا تصيبنكم فإن أصابتكم لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة بل عمتكم فاقيم جواب الشرط الثاني مقام جواب الشرط المقدر في جواب الأمر لتسببه منه وسمى جواب الأمر لأن المعاملة معه لفظا