إذ يغشيكم النعاس أي يجعله غاشيا عليكم ومحيطا بكم والنعاس أول النوم قبل أن يثقل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة أن النعاس في الرأس والنوم في القلب ولعل مراده الثقل والخفة فلا معنى له والفعل نعس كمنع والوصف ناعس ونعسان قليل و إذ يغشيكم بدل ثان من إذ يعدكم على القول بجواز تعدد البدل وفيه إظهار نعمة أخرى فإن الخوف أطار كراهم من أوكاره فلما طامن الله تعالى قلوبهم رفرف بجناحه عليها فنعسوا وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية أو هو منصوب باذكروا .
وجوز تعلقه بالنصر وضعف بأن فيه أعمال المصدر المعرف بأل وفيه خلاف الكوفيين والفصل بين المصدر ومعموله وعمل ما قبل إلا فيما بعدها من غير أن يكون ذلك المعمول مستثنى أو مستثنى منه أو صفة له والجمهور لا يجوزون ذلك خلافا للكسائي والأخفش وتعلقه بما في عند الله من معنى الفعل وقيل عليه : إذ يلزم تقييد إستقرار النصر من الله تعالى بهذا الوقت ولا تقييد له به وأجاب الحلبي بأن المراد به نصر خاص فلا محذور في تقييده وبالجعل وفيه الفصل وعمل ما قبل إلا فيما ليس أحد الثلاثة وبما دل عليه عزيز حكيم وفيه لزوم التقييد ولا تقييد وأجيب بما أجيب والإنصاف بعد الإحتمالات الأربع وقرأ نافع يغشيكم بالتخفيف من الإغشاء بمعنى التغشية والفاعل في القراءتين هو الله تعالى وقرأ ابن كثير وأبو عمرو يغشاكم على إسناد الفعل إلى النعاس وقوله سبحانه وتعالى : أمنة منه نصب على أنه مفعول له وهو مصدر بمعنى الأمن كالمنعة وإن كان قد يكون جمعا وصفة بمعنى آمنين كما ذكره الراغب واستشكل بأن شرط النصب الذي هو إتحاد فاعله وفاعل الفعل العامل فيه مفقود إذ فاعله هم الصحابة الآمنون رضي الله تعالى عنهم وفاعل الآخر هو الله على القراءتين الأوليين والنعاس على الأخرى .
وأجيب بأنه مفعول له بإعتبار المعنى الكنائي فإن يغشاكم النعاس يلزمه تنعسون ويغشيكم بمعناه فيتحد الفاعلان إذ فاعل كل حينئذ الصحابة وقال بعض المدققين : إنه على القراءتين الأوليين يجوز أن يكون منصوبا على العلية لفعل مترتب على الفعل المذكور أي يغشيكم النعاس فتنعسون أمنا أو على أنه مصدر لفعل آخر كذلك أي فتأمنون أمنا وعلى القراءة الأخيرة منصوب على العلية بيغشاكم باعتبار المعنى فإنه في حكم تنعسون أو على أنه مصدر لفعل مترتب عليه كما علمت وما تقدم أقل إنتشارا .
وجوز أن يراد بالأمنة الإيمان بمعناه اللغوي وهو جعل الغير آمنا فيكون مصدر آمنه وهو على بعده إنما يتمشى في القراءتين الأوليين لأن فاعل التغشية والأمان هو الله تعالى وأما القراءة الأخرى فلا ويحتاج إلى ما مر ومن الناس من جوز فيها أن يجعل الأمن من فعل النعاس على الإسناد المجازي لكونه من ملابسات أصحاب الأمن والإسناد في ذلك مقدر وليس المراد به النسبة التي بين الفعل والمفعول له أي يغشاكم النعاس لأمنه أو على تشبيه حاله بحال إنسان شأنه الأمن والخوف وأنه حصل له من الله تعالى الأمان من الكفار في مثل ذلك الوقت المخوف فلذلك غشاكم وأنامكم فيكون الكلام تمثيلا وتخييلا للمقصود بإبراز المعقول في صورة المحسوس والقطب جعل في الكلام إستعارة الكناية حيث ذكر أنه شبه النعاس بشخص من شأنه أن يأتيهم لكنه لا يأتيهم في وقت الخوف وإذا أمن أتاهم ثم ذكر النعاس وأراد ذلك الشخص والقرينة ذكر الأمنة لأنها من لوازم المشبه به وقد وصف الزمخشري النوم بنحو ذلك في قوله :