القول بالزيادة هنا الجواب بقوله تعالى : قل الأنفال لله والرسول فإنه المراد به إختصاص أمرها وحكمها بالله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم فيقسمها النبي E كما يأمره الله تعالى من غير أن يدخل فيه رأي أحد فإن مبنى ذلك القول القول بأن السؤال إستعطاء ولو كان كذلك لما كان هذا جوابا له فإن إختصاص حكم ما شرط لهم بالله تعالى والرسول صلى الله تعالى عليه وسلم لا ينافي إعطاءه إياهم بل يحققه لأنهم إنما يسألونه بموجب شرط الرسول E الصادر عنه بإذن الله تعالى لا بحكم سبق أيديهم إليه أو نحو ذلك مما يخل بالإختصاص المذكور .
وحمل الجواب على معنى أن الأنفال بذلك المعنى مختصة برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لا حق فيها للمنفل كائنا من كان لا سبيل إليه قطعا ضرورة ثبوت الإستحقاق بالتنفيل وإدعاء أن ثبوته بدليل متأخر التزم لتكرر النسخ من غير علم بالناسخ الأخير ولا مساغ للمصير إلى ما ذهب إليه مجاهد وعكرمة والسدي من أن الأنفال كانت لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خاصة ليس لأحد فيها شيء بهذه الآية فنسخت بقوله تعالى : فأن لله خمسه وللرسول لما أن المراد بالأنفال فيما قالوا هو المعنى الأول حسبما نطق به قوله تعالى : واعلموا أنما غنتم من شيء الآية على أن الحق أنه لا نسخ حينئذ حسبما قاله عبدالرحمن بن زيد بن أسلم بل بين هنا إجمالا أن الأمر مفوض لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وشرح فيما بعد مصارفها وكيفية قسمتها وإدعاء إقتصار الإختصاص بالرسول صلى الله تعالى عليه وسلم على الأنفال المشروطة يوم بدر يجعل اللام للعهد مع بقاء إستحقاق المنفل في سائر الأنفال المشروطة يأباه مقام بيان الأحكام كما ينبيء عنه إظهار الأنفال في مقام الإضمار على أن الجواب عن سؤال الموعود ببيان كونه له E خاصة مما يليق بشأنه الكريم أصلا .
وقد روي عن سعد بن أبي وقاص أنه قال : قتل أخي عمير يوم بدر فقتلت به سعيد بن العاص وأخذت سيفه فأعجبني فجئت به رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقلت : إن الله قد شفى صدري من المشركين فهب لي هذا السيف فقال E : ليس هذا لي ولا لك اطرحه في القبض فطرحته وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي فما جاوزت إلا قليلا حتى نزلت سورة الأنفال فقال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : يا سعد إنك سألتني السيف وليس لي وقد صار لي فاذهب فخذه وهذا كما ترى يقتضي عدم وقوع التنفيل يومئذ وإلا لكان سؤال السيف من سعد بموجب شرطه E ووعده لا بطريق الهبة المبتدأة وحمل ذلك من سعد على مراعاة الأدب مع كون سؤاله بموجب الشرط يرده رده صلى الله تعالى عليه وسلم قبل النزول وتعليله بقوله : ليس هذا لي لإستحالة أن يعد صلى الله تعالى عليه وسلم بما لا يقدر على إنجازه وإعطائه E بعد النزول وترتيبه على قوله وقد صار لي ضرورة أن مناط صيرورته له صلى الله تعالى عليه وسلم قوله تعالى : الأنفال لله والرسول والفرض أنه المانع من إعطاء المسؤول ومما هو نص في الباب قوله تعالى : فاتقوا الله فإنه لو كان السؤال طلبا للمشروط لما كان فيه محذور يجب إتقاؤه قاله شيخ الإسلام عليه الرحمة وحاصله إنكار وقوع التنفيل حينئذ وعدم صحة حمل السؤال على الإستعطاء والأنفال على المعنى الثاني من معنييها وأنا أقول : قد جاء خبر التنفيل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من الطريق الذي ذكرناه ومن طريق آخر أيضا فقد أخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن حبان