بسم الله الرحمن الرحيم .
يسئلونك عن الأنفال جمع نفل بالفتح وهو الزيادة ولذا قيل للتطوع نافلة وكذا لولد الولد ثم صار حقيقة في العطية ومنه قول لبيد : إن تقوى ربنا خير نفل وبإذن الله ريثي وعجل لأنها لكونها تبرعا غير لازم كأنها زيادة ويسمى به الغنيمة أيضا وما يشترطه الإمام للغازي زيادة على سهمه لرأي يراه سواء كان لشخص معين أو لغير معين كمن قتل قتيلا فله سلبه وجعلوا من ذلك ما يزيده الإمام لمن صدر منه أثر محمود في الحرب كبراز وحسن إقدام وغيرهما وإطلاقه على الغنيمة بإعتبار أنها منحة من الله تعالى من غير وجوب وقال الإمام عليه الرحمة : لأن المسلمين فضلوا بها على سائر الأمم التي لم تحل لهم ووجه التسمية لا يلزم إطراده وفي الخبر أن المغانم كانت محرمة على الأمم فنفلها الله تعالى هذه الأمة وقيل : لأنها زيادة على ما شرع الجهاد له وهو إعلاء كلمة الله تعالى وحماية حوزة الإسلام فإن اعتبر كون ذلك مظفورا به سمي غنيمة ومن الناس من فرق بين الغنيمة والنفل بالعموم والخصوص فقيل : الغنيمة ما حصل مستغنما سواء كان ببعث أو لا باستحقاق أولا قبل الظفر أو بعده والنفل ما قبل الظفر أو ما كان بغير قتال وهو الفيء وقيل : ما يفضل عن القسمة ثم أن السؤال كما قال الطيبي ونقل عن الفارسي أما لإستدعاء معرفة أو ما يؤدي إليها وإما لإستدعاء جدا أو ما يؤدي إليه وجواب الأول باللسان وينوب عنه اليد بالكتابة أو الإشارة ويتعدى بنفسه وبعن والباء وجواب الثاني باليد وينوب عنها اللسان موعدا وردا ويتعدى بنفسه أو بمن وقد يتعدى لمفعولين كأعطى واختار وقد يكون الثاني جملة إستفهامية نحو سل بني إسرائيل كم آتيناهم والمراد بالأنفال هنا الغنائم كما روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد وطائفة من الصحابة وغيرهم وبالسؤال السؤال لإستدعاء المعرفة كما اختاره جمع من المفسرين لتعديه بعن والأصل عدم إرتكاب التأويل ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم من حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه وهو سبب النزول أن المسلمين اختلفوا في غنائم بدر وفي قسمتها فسألوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كيف تقسم ولمن الحكم فيها أهو للمهاجرين أم للأنصار أم لهم جميعا فنزلت هذه الآية .
وقال بعضهم : إن السؤال إستعطاء والمراد بالنفل ما شرط للغازي زائدا على سهمه وسبب النزول غير ما ذكر فقد أخرج عبدالرزاق المصنف وعبد بن حميد وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : من قتل قتيلا فله كذا ومن جاء بأسير فله كذا فجاء أبو اليسر بن عمرو الأنصاري بأسيرين فقال : يا رسول الله إنك قد وعدتنا فقام سعد بن عبادة فقال : يا رسول الله إنك إن أعطيت هؤلاء لم يبق لأصحابك شيء وإنه لم يمنعنا من هذا زهادة في الأجر ولا جبن عن العدو وإنما قمنا هذا المقام محافظة عليك أن يأتوك من وراءك فتشاجروا فنزل القرآن وادعوا زيادة عن واستدلوا لذلك بقراءة ابن مسعود وسعد بن أبي وقاص وعلي بن الحسين وزيد ومحمد الباقر وجعفر الصادق وطلحة بن مصرف يسألونك الأنفال وتعقب بأن هذه القراءة من باب الحذف والإيصال وليست دعوى زيادة عن في القراءة المتواترة لسقوطها في القراءة الأخرى أولى من دعوى تقديرها في تلك القراءة لثبوتها في القراءة المتواترة بل قد ادعى بعض أنه ينبغي حمل قراءة إسقاط عن على إرادتها لأن حذف الحرف وهو مراد معنى أسهل من زيادته للتأكيد على أنه يبعد