بين العصر إلى غروب الشمس فهو جمع الجمع وليس للقلة وليس جمعا لأصيل لأن فعيلا لا يجمع على أفعال وقيل : إنه جمع له لأنه قد يجمع عليه كيمين وأيمان وقيل : إنه جمع لأصل مفردا كعنق ويجمع على أصلان أيضا والجار متعلق باذكر وخص هذان الوقتان بالذكر قيل لأن الغدوة عندها ينقلب الحيوان من النوم الذي هو كالموت إلى اليقظة التي هي كالحياة والعالم يتحول من الظلمة التي هي طبيعة عدمية إلى النور الذي هو طبيعة وجودية وفي الأصيل الأمر بالعكس أو لأنهما وقتا فراغ فيكون الذكر فيهما ألصق بالقلب وقيل : لأنهما وقتان يتعاقب فيهما الملائكة على ابن آدم وقيل : ليس المراد التخصيص بل دوام الذكر واتصاله أي اذكر كل وقت .
وقرأ أبو مجاز لاحق بن حميد السدوسي والإيصال وهو مصدر آصل إذا دخل في الأصيل وهو مطابق لغدو بناء على القول بإفراده ومصدريته فتذكر ولا تكن من الغافلين .
502 .
- عن ذكر الله تعالى إن الذين عند ربك وهم ملائكة الملأ الأعلى فالمراد من العندية القرب من الله تعالى بالزلفى والرضا لا المكانية لتنزه الله تعالى عن ذلك وقيل : المراد عند عرش ربك لايستكبرون عن عبادته بل يؤدونها حسبما أمروا به ويسبحونه أي ينزهونه عما لا يليق بحضرة كبريائه على أبلغ وجه وله يسجدون .
602 .
- أي ويخصونه بغاية العبودية والتذلل لا يشركون به غيره جل شأنه وهو تعريض بمن عداهم من المكلفين كما يدل عليه تقديم له وجاز أن يؤخذ من مجموع الكلام كما آثره العلامة الطيبي لأنه تعليل للسابق على معنى ائتوا بالعبادة على وجه الإخلاص كما أمرتم فإن لم تأتوا بها كذلك فإنا مغنون عنكم وعن عبادتكم إن لنا عبادا مكرمين من شأنهم كذا وكذا فالتقديم على هذا للفاصلة ولما في الآية من التعريض شرع السجود عند هذه الآية إرغاما لمن أبى ممن عرض به قيل : وقد جاء الأمر بالسجدة لآية أمر فيها بالسجود إمتثالا للأمر أو حكى فيها إستنكاف الكفرة عنه مخالفة لهم أو حكى فيها سجود نحو الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تأسيا بهم وهذا من القسم الثاني بإعتبار التعريض أو من القسم الأخير بإعتبار التصريح وكان صلى الله تعالى عليه وسلم يقول في سجوده لذلك كما روى ابن أبي شيبة عن ابن عمر اللهم لك سجد سوادي وبك آمن فؤادي اللهم ارزقني علما ينفعني وعملا يرفعني وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقول في سجود القرآن بالليل مرارا سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته فتبارك الله أحسن الخالقين وجاء عنها أيضا ما من مسلم سجد لله تعالى سجدة إلا رفعه الله تعالى بها درجة أو حط عنه بها خطيئة أو جمعهما له كلتيهما وأخرج مسلم وابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد إعتزل الشيطان يبكي يقول ياويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار واستدل بالآية على أن إخفاء الذكر أفضل ويوافق ذلك ما أخرجه أحمد من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : خير الذكر الخفي وهي ناعية على جهلة زماننا من المتصوفة ما يفعلونه مما يستقبح شرعا وعقلا وعرفا فإنا لله وإنا إليه راجعون .
هذا ومن باب الإشارة في الآيات هو الذي خلقكم من نفس واحدة وهي الروح وخلق منها زوجها