بتوجيه القصر إلى نفس الفعل بالنسبة إلى مقابله الذي كلفوه إياه E لا على معنى تخصيص إتباعه صلى الله تعالى عليه وسلم بما يوحى إليه بتوجيه القصر بالقياس إلى مفعول آخر كما هو الشائع في موارد الإستعمال كأنه قيل : ما أفعل إلا إتباع ما يوحى إلي منه تعالى دون الإختلاف والإقتراح وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره E ما لا يخفى هذا إشارة إلى القرآن الجليل المدلول عليه بما يوحى إلي بصائر من ربكم أي بمنزلة البصائر للقلوب بها تبصر الحق وتدرك الصواب أو حجج بينة وبراهين نيرة تغني عن غيرها فالكلام خارج مخرج التشبيه البليغ وقد حققت ما فيه على الوجه الأتم في الطراز المذهب أو فيه مجاز مرسل حيث أطلق المسبب على السبب وجوز أن تكون البصائر مستعارة لإرشاد القرآن الخلق إلى إدراك الحقائق وهذا مبتدأ وبصائر خبره وجمع خبر المفرد لإشتماله على آيات وسور جعل كل منها بصيرة و من متعلقة بمحذوف وقع صفة لبصائر مفيدة لفخامتها أي بصائر كائنة منه تعالى والتعرض لوصف الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم لتأكيد وجوب الإيمان بها وقوله سبحانه وتعالى : وهدى ورحمة عطف على بصائر وتنوينهما للتفخيم وتقديم الظرف عليهما وتعقيبهما بقوله تعالى : لقوم يؤمنون .
302 .
- كما قال شيخ الإسلام للإيذان بأن كون القرآن بصائر متحقق بالنسبة إلى الكل وبه تقوم الحجة على الجميع وأما كونه هدى ورحمة فمختص بالمؤمنين إذ هم المقتبسون من أنواره والمقتطفون من نواره وهذا مخالف لما يفهمه كلام البعض من أن الثلاثة للمؤمنين فقد قال النيسابوري في التفسير : إن البصائر لأصحاب عين اليقين والهدى لأرباب علم اليقين والرحمة لغيرهم من الصالحين المقلدين على أتم وجه والجميع لقوم يؤمنون وذكر نحو ذلك الخازن وادعى أنه من اللطائف وهو خلاف الظاهر بل لا يكاد يسلم وهذه الجملة على ما يظهر من تمام القول المأمور به .
واحتج بالآية من لم يجوز الإجتهاد للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وفيه نظر وإذا قريء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا إرشاد إلى طريق الفوز بما أشير إليه من المنافع الجليلة التي ينطوي عليها القرآن والإستماع معروف واللام جوز أن تكون أجلية وأن تكون بمعنى إلى وأن تكون صلة أي فاستمعوه والإنصات السكوت يقال : نصت ينصت وأنصت وانتصت إذا سكت والإسم النصتة بالضم ويقال كما قال الأزهري : أنصته وأنصت له إذا سكت له واستمع لحديثه وجاء أنصته إذا أسكته والعطف للإهتمام بأمر القرآن وعلل الأمر بقوله سبحانه وتعالى : لعلكم ترحمون .
402 .
- أي لكي تفوزوا بالرحمة التي هي أقصى ثمراته والآية دليل لأبي حنيفة رضي الله تعالى عنه في أن المأموم لا يقرأ في سرية ولا جهرية لأنها تقتضي وجوب الإستماع عند قراءة القرآن في الصلاة وغيرها وقد قام الدليل في غيرها على جواز الإستماع وتركه فبقى فيها على حاله في الإنصات للجهر وكذا في الإخفاء لعلمنا بأنه يقرأ ويؤيد ذلك أخبار جمة فقد أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن مجاهد قال : قرأ رجل من الأنصار خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في الصلاة فنزلت وإذا قريء القرآن الخ .
وأخرج ابن جرير وغيره عن ابن مسعود أنه صلى بأصحابه فسمع أناسا يقرؤن خلفه فلما انصرف قال : أما آن لكم أن تفهموا أما آن لكم أن تعقلوا وإذا قريء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا كما أمركم الله تعالى