إليه قلبا في ضمن القول أو بدونه فيعصمك من شره أو سميع أي مجيب دعاءك بالإستعاذة عليم بما فيه صلاح أمرك فيحملك عليه أو سميع بأقوال من آذاك عليم بأفعاله فيجازيه عليها والآية على ما نص عليه بعض المحققين من باب لئن أشركت ليحبطن عملك فلا حجة فيها لمن زعم عدم عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من وسوسة الشيطان وإرتكاب المعاصي وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة قالوا : وإياك يا رسول الله قال : وإياي إلا أن الله تعالى أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير وقال آخرون : إن نزغ الشيطان بالنسبة إليه صلى الله تعالى عليه وسلم مجاز عن إعتراء الغضب المقلق للنفس وفي الآية حينئذ زيادة تنفير عن الغضب وفرط تحذير عن العمل بموجبه ولذا كرر صلى الله تعالى عليه وسلم النهي عنه كما جاء في الحديث وفي الأمر بالإستعاذة بالله تعالى تهويل لذلك وتنبيه على أنه من الغوائل التي لا يتخلص من مضرتها إلا بالإلتجاء إلى حرم عصمته D إن الذين اتقوا إستئناف مقرر لما قبله من الأمر ببيان أن الإستعاذة سنة مسلوكة للمتقين والإخلال بها شنشنة الغاوين أي إن الذين اتصفوا بتقوى الله تعالى إذا مسهم طائف من الشيطان أي لمة منه كما روي عن ابن عباس وتنويه للتحقير والمراد وسوسة ما وهو اسم فاعل من طاف بالشيء إذا دار حوله وجعل الوسوسة طائفا للإيذان بأنها وإن مست لا تؤثر فيهم فكأنها طافت حولهم ولم تصل إليهم .
وجوز أن يكون من طاف طيف الخيال إذا ألم في المنام فالمراد به الخاطر وذهب غير واحد إلى أن المراد بالطائف الغضب وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ويعقوب طيف على أنه مصدر أو تخفيف من طيف من الواوي أو اليائي كهين ولين والمراد بالشيطان الجنس لا إبليس فقط ولذا جمع ضميره فيما سيأتي تذكروا أي ما أمر الله تعالى به ونهى عنه أو الإستعاذة به تعالى والإلتجاء إليه سبحانه وتعالى أو عداوة الشيطان وكيده فإذا هم بسبب ذلك التذكر مبصرون مواقع الخطأ ومناهج الرشد فيحترزون عما يخالف أمر الله تعالى وينجون عما لا يرضيه سبحانه وتعالى والظاهر أن المراد من الموصول من اتصف بعنوان الصلة مطلقا وقال بعض المحققين : إن الخطاب في قوله سبحانه وتعالى : وإما ينزغنك الخ إما أن يكون مختصا برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كما هو الظاهر فالمناسب أن يراد بالمتقين المرسلون من أولي العزم أو يكون عاما على طريقة بشر المشائين إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة أو خاصا يراد به العام نحو يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فالمتقون حينئذ الصالحون من عباد الله تعالى انتهى ولا يخفى أن الملازمة في الشرطية الأولى في حيز المنع والعموم هو المتبادر على كل حال وزعم بعضهم أن المراد بالمتقين المنسوب إليهم المس غير الأنبياء عليهم السلام وجعل الخطاب فيما سبق خاصا بالسيد الأعظم صلى الله تعالى عليه وسلم وادعى أن النزغ أول الوسوسة والمس لا يكون إلا بعد التمكن ثم قال : ولذا فضل الله سبحانه وتعالى بين النبي E وغيره من سائر المتقين فعبر في حقه E بالنزغ وفي حقهم بالمس وقد يقال : إن إهتمام الشيطان في الوسوسة للكامل أكمل من إهتمامه في الوسوسة لمن دونه فلذا عبر أولا بالنزغ وثانيا بالمس وإخوانهم أي إخوان الشياطين الذين لم يتقوا وذلك معنى الأخوة بينهم وهو مبتدأ