له لا أمر حدث عنهم لم يكن قبل فينبغي أن يكون التوبيخ على هذا دون ذلك وثالثا بأن إشراك أولادهما لم يكن حين آتاهما الله تعالى صالحا بل بعده بأزمنة متطاولة ورابعا بأن إجراء جعلا على غير ما أجري عليه الأول والتعقيب بالفاء يوجب إختلال النظم الكريم .
وأجيب عن الأول بأن وجه ذلك الإسناد الإيذان بتركهما الأولى حيث أقدما على نظم أولادهما في سلك أنفسهما والتزما شكرهم في ضمن وأقسما على ذلك قبل تعرف أحوالهم ببيان أن إخلالهم بالشكر الذي وعداه وعدا مؤكدا باليمين بمنزلة إخلالهما بالذات في إستيجاب الحنث والخلف مع ما فيه من الإشعار بتضاعف جنايتهم ببيان أنهم بجعلهم المذكور أو وقوعهما في ورطة الحنث والخلف وجعلوهما كأنهما باشراه بالذات فجمعوا بين الجناية مع الله تعالى والجناية عليهما السلام وعن الثاني بأن المقام يقتضي التوبيخ على هذا لأنه لما ذكر ما أنعم سبحانه وتعالى به عليهم من الخلق من نفس واحدة وتناسلهم وبخهم على جهلهم وإضافتهم تلك النعم إلى غير معطيها وإسنادها إلى من لا قدرة له على شيء ولم يذكر أولا أمرا من أمور الألوهية قصدا حتى يوبخوا على إتخاذ الألهة وعن الثالث بأن كلمة لما ليست للزمان المتضايق بل الممتد فلا يلزم أن يقع الشرط والجزاء في يوم واحد أو شهر أو سنة بل يختلف ذلك باختلاف الأمور كما يقال : لما ظهر الإسلام طهرت البلاد من الكفر والإلحاد وعن الرابع بما حرره صاحب الكشف في إختيار هذا القول وإيثاره على القول بأن الشرك راجع لآدم وحواء عليهما السلام وليس المتعارف بل ما نقل من تسمية الولد عبد الحرث وهو أن الظاهر أن قوله تعالى : هو الذي خلقكم من نفس واحدة خطاب لأهل مكة وأنه بعد ما ختمت قصة اليهود بما ختمت تسلية وتشجيعا للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وحملا له على التثبت والصبر إقتداء بإخوته من أولي العزم عليه وعليهم الصلاة والسلام لاسيما مصطفاه وكليمه موسى عليه السلام فإن ما قاساه من بني إسرائيل كان شديد الشبه بما كان يقاسيه صلى الله تعالى عليه وسلم من قريش وذيلت بما يقتضي العطف على المعنى الذي سيق له الكلام أولا أعني قوله سبحانه وتعالى : وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وقع التخلص إلى ذكر أهل مكة في حلق موقعه فقيل : والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم وذكر سؤالهم عما لا يعينهم فلما أريد بيان أن ذلك مما لا يهمكم وإنما المهم إزالة ما أنتم عليه منغمسون فيه من أوضار الشرك والآثام مهد له هو الذي خلقكم مضمنا معنى الإمتنان والمالكية المقتضيين للتوحيد والعبودية ثم قيل : فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء أي جعلتم يا أولادهما ولقد كان لكم في أبويكم أسوة حسنة في قولهما : لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين وكأن المعنى والله تعالى أعلم فلما آتاهما صالحا ووفيا بما وعدا به ربهما من القيام بموجب الشكر خالفتم أنتم يا أولادهما فأشركتم وكفرتم النعمة وفي هذا الإلتفات ثم إضافة فعلهم إلى الأبوين على عكس ما جعل من خلق الأب وتصويره في معرض الإمتنان متعلقا بهم إيماء إلى غاية كفرانهم وتماديهم في الغي وعليه ينطبق قوله سبحانه : فتعالى الله عما يشركون ثم قال : فظهر أن إجراء جعلا له على غير ما أجري عليه الأول والتعقيب بالفاء لا يوجب إختلال النظم بل يوجب إلتئامه أه والإنصاف أن الأسئلة والآية على هذا الوجه من قبيل اللغز وعن الحسن وقتادة أن ضمير جعلا وآتاهما يعود على النفس زوجها من ولد آدم لا إلى آدم وحواء عليهما السلام وهو قول الأصم قال : ويكون المعنى في قوله سبحانه