فإذا أخلد إلى الأرض واتبع الشهوات وارتكب المعاصي والسيآت ينزل درجة درجة إلى أن يصير أسفل السافلين وأيا ما كان فليس المطلوب إلا تدرجهم في مدراج المعاصي إلى أن يحق عليهم كلمة العذاب الأخروي أو الدنيوي على ما قيل على أفظع حال وأشنعها وإدرار النعم وسيلة إلى ذلك من حيث لا يعلمون أنه كذلك بل يحسبون أنه أثرة من الله تعالى وقيل : لايعلمون ما يراد بهم والجار والمجرور متعلق بمضمر وقع صفة لمصدر الفعل المذكور أي سنستدرجهم إستدراجا كائنا من حيث لا يعلمون وأملي لهم أي أمهلهم والواو للعطف وما بعده معطوف على سنستدرجهم غير داخل في حكم السين لما أن الإمهال ليس من الأمور التدريجية كالإستدراج الحاصل في نفسه شيئا فشيئا بل هو مما يحصل دفعة والحاصل بطريق التدريج آثاره وأحكامه ليس إلا ويلوح بذلك تغيير التعبير بتوحيد الضمير مع ما فيه من الإفتنان المنبىء عن مزيد الإعتناء بمضمون الكلام لإبتنائه على تجديد القصة والعزيمة وجعله غير واحد داخلا في حكمها ولا يخفى التوحيد حينئذ وقيل : إنه كلام مستأنف أي وأنا أملي لهم والخروج من ذلك الضمير إلى ضمير المتكلم المفرد شبيه الإلتفات واستظهر أنه من التلوين .
وما قيل : إن هذا للإشعار بأن الإمهال بمحض التقدير الإلهي وذاك للإشارة إلى أن الإستدراج بتوسط المدبرات ليس بشيء لمكان لاتحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إن كيدي متين .
381 .
- تقرير للوعيد وتأكيد له والمتين من المتانة بمعنى الشدة والقوة ومنه المتن للظهر أو اللحم الغليظ في جانبي الصلب وفسر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الكيد بالمكر وفسره بعضهم بالإستدراج والإملاء مع نتيجتهما وتسميته كيدا لما أن ظاهره لطف وباطنه قهر وبعضهم بنفس الأخذ فقط فتسميته حينئذ بذلك قيل : لكون مقدماته كذلك وقيل : لنزوله بهم من حيث لا يشعرون وإيا ما كان فالمعنى إن كيدي قوي لا يدافع بقوة ولا بحيلة والآية حجة لأهل السنة في مسألة القضاء والقدر وادعى بعض المفسرين أنها نزلت في المستهزئين من قريش أمهلهم الله تعالى ثم أخذهم في يوم بدر ثم إنه سبحانه وتعالى لما بالغ في تهديد الملحدين المعرضين الغافلين عن آياته والإيمان برسوله E عقب ذلك على ما قيل بالجواب عن شبهتهم وإنكار عدم تفكرهم فقال عز من قائل : أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة فالهمزة للإنكار والتوبيخ والواو للعطف على مقدر يستدعيه السياق والسباق والخلاف في مثل هذا التركيب مشهور وقد تقدمت الإشارة إليه .
و ما قال أبو البقاء : تحتمل أن تكون إستفهامية إنكارية في محل الرفع بالإبتداء والخبر بصاحبهم وأن تكون نافية إسمها جنة وخبرها بصاحبهم وجوز أن تكون موصولة وفيه بعد والجنة مصدر كالجلسة بمعنى الجنون وليس المراد به الجن كما في قوله تعالى : من الجنة والناس لأنه يحتاج إلى تقدير مضاف أي مس جنة أو تخبطها والتنكير للتقليل والتحقير والتفكر التأمل وأعمال الخاطر في الأمر وهو من أفعال القلوب فحكمه حكمها في أمر التعليق ومحل الجملة على الوجهين النصب على نزع الخافض ومحل الموصول نصب على ذلك في الوجه الأخير أي أكذبوا ولم يتفكروا في أي شيء من جنون ما كائن بصاحبهم الذي هو أعظم الهادين للحق وعليه أنزلت الآيات أو في أنه ليس بصاحبهم من جنة حتى يؤديهم التفكر في ذلك إلى الوقوف