القلب باب الذكر فإنه يقع في جنة القناعة ولا يزال يترقى من نور إلى نور حتى ينتهي إلى أعلا درجات الإحسان ومن إما نكرة موصوفة أو بمعنى الذي والمراد بعض من خلقنا أو بعض ممن خلقنا طائفة جليلة كثيرة يهدون الناس ملتبسين بالحق أو يهدونهم بكلمة الحق ويدلونهم على الإستقامة وبالحق يحكمون في الحكومات الجارية فيما بينهم ولا يجوزون فيها أخرج ابن جرير وغيره عن ابن جريج أنه قال : ذكر لنا أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : هذه أمتي وأخرج عن قتادة أنه قال : بلغنا أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقول إذا قرأ هذه الآية : هذه لكم وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : إن من أمتي قوما على الحق حتى ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام وروى الشيخان عن معاوية والمغيرة بن شعبة قالا : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله تعالى لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تعالى وهم على ذلك .
واستدل الجبائي الآية على صحة الإجماع في كل عصر سواء في ذلك عصر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والصحابة رضي الله تعالى عنهم وغيره إذ لو إختص لم يكن لذكره فائدة لأنه معلوم وعلى أنه لا يخلو عصر عن مجتهد إلى قيام الساعة لأن المجتهدين هم أرباب الإجماع قيل : وهو مخالف لما روي من أنه لا تقوم الساعة إلا على أشرار الخلق ولا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله وأجيب بأن ذلك الزمان ملحق بيوم القيامة لمعانقته له والمراد عدم خلو العصر عن مجتهد فيما عداه وقيل : المراد من الخبرين الإشارة إلى غلبة الشر فلا ينافي وجود النزر من أهل ذلك العنوان والواحد منهم كاف وهو حينئذ الأمة والإقتصار على نعتهم بهداية الناس للإيذان بأن إهتداءهم في أنفسهم أمر محقق غني عن التصريح والذين كذبوا بأيآتنا ولم تنفعهم هداية الهادين كأهل مكة وغيرهم واقتصر بعضهم على الأولين والعموم أولى وإضافة الآيات إلى ضمير العظمة لتشريفها وإستعظام الإقدام على تكذيبها والموصول في محل الرفع على أنه مبتدأ خبره جملة سنستدرجهم أي سنستدنيهم البتة إلى الهلاك شيئا فشيئا وجوز أن يكون في محل النصب بفعل محذوف يفسره المذكور والإستدراج إستفعال من الدرجة بمعنى النقل درجة بعد درجة من سفل إلى علو فيكون إستصعادا أو بالعكس فيكون إستنزالا وقد إستعمله الأعشى في قوله : فلو كنت في جب ثمانين قامة ورقيت أباب السماء بسلم ليستدرجنك القول حتى تهره وتعلم أني عنكم غير مفحم في مطلق معناه وقال بعضهم : هو إستفعال من درج إما بمعنى صعد ثم اتسع فيه فاستعمل في كل نقل تدريجي سواء كان بطريق الصعود أو الهبوط أو الإستقامة وإما بمعنى مشى مشيا ضعيفا ومنه درج الصبي وإما بمعنى طوى ومنه أدرج الكتاب ثم أستعير لطلب كل نقل تدريجي من حال إلى حال من الأحوال الملائمة للمنتقل الموافقة لهواه وإستدراجه تعالى إياهم بإدرار النعم عليهم مع أنهما كهم في الغي ولذا قيل : إذا رأيت الله تعالى أنعم على عبد وهو مقيم على معصيته فاعلم أنه مستدرج وهذا يمكن حمله على الإستصعاد بإعتبار نظرهم وزعمهم أن متواترة النعم أثرة من الله تعالى وهو الظاهر وعلى الإستنزال بإعتبار الحقيقة فإن الجبلة الإنسانية في أصل الفطرة سليمة متهيئة لقبول الحق لقضية كل مولود يولد على الفطرة فهو في بقاع التمكن على الهدى والدين