حرب الجبارين أتى قوم بلعام إليه وكان عنده اسم الله تعالى الأعظم فقالوا له : إن موسى E رجل حديد وإن معه جنودا كثيرة وإنه قد جاء ليخرجنا من أرضنا فادع الله تعالى أن يرده عنا فقال : ويلكم نبي الله تعالى ومعه الملائكة والمؤمنون فكيف أدعو عليهم وأنا أعلم من الله تعالى ما أعلم وإني إن فعلت ذهبت دنياي وآخرتي فألحوا عليه فقال : حتى أوامر ربي فأتى في المنام وقيل له : لا تفعل فأخبر قومه فأهدوا له هدية فقبلها ولم يزالوا يتضرعون إليه حتى فتنوه فجعل يدعو على موسى عليه الصلاة السلام وقومه إلا أن الله تعالى جعل يصرف لسانه إلى الدعاء على قومه نفسه فقالوا له : يا بلعام أتدري ما تصنع إنك تدعو علينا فقال : هذا أمر قد غلب الله تعالى عليه فاندلع لسانه ووقع على صدره فقال : يا قوم قد ذهبت مني الدنيا والآخرة ولم يبق إلا المكر والحيلة جملوا النساء وأرسلوهن وأمروهن أن لا يمنعن أنفسهن فإن القوم سفر وإن الله سبحانه وتعالى يبغض الزنا وإن هم وقعوا فيه هلكوا ففعلوا ذلك فافتتن زمرى بن شلوم رأس سبط شمعون ابن يعقون بامرأة منهن تسمى كستى بنت صور فنهاه موسى عليه السلام عن الفاحشة فأبى وأدخلها قبته وزنا بها فوقع فيهم الطاعون حتى هلك منهم سبعون ألفا ولم يرتفع حتى قتلهما فنحاص بن العيزار بن هرون وكان غائبا أول الأمر .
وعن مقاتل أن ملك البلقاء قال له : ادع الله تعالى على موسى عليه السلام فقال : إنه من أهل ديني ولا أدعو عليه فنصب له خشبة ليصلبه عليها فدعا بالإسم الأعظم أن لايدخل الله تعالى موسى عليه السلام المدينة فاستجيب له ووقع بنو إسرائيل في التيه فقال موسى : يا رب بأي ذنب هذا فقال سبحانه وتعالى : بدعاء بلعام فقال : رب كما سمعت دعاؤه علي فاسمع دعائي عليه فدعا الله جل شأنه أن ينزع عنه الإسم الأعظم والإيمان فنزع الله تعالى عنه المعرفة وسلخه منها فخرجت من صدره كحمامة بيضاء ورد هذا بأن التيه كان روحا وراحة لموسى عليه السلام وإنما عذب به بنو إسرائيل وقد كان ذلك بدعائه عليه السلام على أن في الدعاء بسلب الإيمان مقالا وأنا أعجب لم لم يدع هذا الشقي بالإسم الأعظم الذي كان يعلمه على ملك البلقاء ليخلص من شره ودعا على موسى عليه السلام ما هي إلا جهالة سوداء وجاء في كلام أبي المعتمر أنه كان قد أوتي النبوة ويرده أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يجوز عليهم الكفر عند أحد من العقلاء وكأن مراده من النبوة ما أوتيه من الآيات وذلك كقوله صلى الله تعالى عليه وسلم : من حفظ القرآن فقد طوى النبوة بين جنبيه .
وأخرج ابن المنذر عن مالك بن دينار أنه كان من علماء بني إسرائيل وكان موسى عليه السلام يقدمه في الشدائد ويكرهه وينعم عليه فبعثه إلى ملك مدين يدعوهم إلى الله تعالى وكان مجاب الدعوة فترك دين موسى عليه السلام واتبع دين الملك وهذه الرواية عندي أولى مما تقدم بالقبول وأما على القول بأنه أمية فهو أنه كان قد قرأ الكتب القديمة وعلم أن الله تعالى مرسل رسولا فرجا أن يكون هو ذلك الرسول فاتفق أن خرج إلى البحرين وتنبأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأقام هناك ثماني سنين ثم قدم فلقى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في جماعة من أصحابه فدعاه إلى الإسلام وقرأ عليه سورة يس حتى إذا فرغ منها وثب أمية يجر رجليه فتبعته قريش تقول : ما تقول يا أمية فقال : أشهد أنه على الحق قالوا : فهل تتبعه قال : حتى أنظر في أمره فخرج إلى الشام وقدم بعد وقعة بدر يريد أن يسلم فلما أخبر بها ترك الإسلام وقال : لو كان نبيا ما قتل ذوي قرابته فذهب إلى الطائف