لو يسمعون كما سمعت كلامها خروا لعزة ركعا وسجودا ولا يخفى أن هذا التوفيق بعيد بمراحل عن ذوق أرباب الظاهر لمخالفته لظواهر الأخبار والمتبادر من الآثار وما نقل عن بنان فيه وهو أول كلامه انتخبهم للولاية واستخلصهم للكرامة وجعل لهم فسوحا في غوامض غيب الملكوت وبعده ما ذكر وشموله لسائر الخلق سعيدهم وشقيهم لا يخلو عن بعد وذكر الشيخ الأكبر قدس سره أن الله تعالى أبدع المبدعات وتجلى بلسان الأحدية في الربوببية فقال : ألست بربكم والمخاطب في غاية الصغاء فقالوا : بلى فكان كمثل الصدا فإنهم أجابوه به فإن الوجود المحدث خيال منصوب وهذا الإشهاد كان إشهاد رحمة لأنه سبحانه ما قال لهم وحدي إبقاء عليهم لما علم أنهم يشركون به تعالى عن ذلك علوا كبيرا بما فيهم من الحظ الطبيعي وبما فيهم من قبول الإقتدار الألهي وما يعلمه إلا قليل وأنت تعلم أن محققي المفسرين إعتبروا الوحدانية في الإشهاد وكذا في الشهادة كما مرت الإشارة إليه ونطقت الآثار به ومن ذلك ما أخرجه عبدالله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند والبيهقي وابن عساكر وجماعة عن أبي بن كعب أنه قال في الآية : جمعهم جميعا فجعلهم أرواحا في صورهم ثم إستنطقهم فتكلموا ثم أخذ عليهم العهد والميثاق وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا : بلى قال : فإني أشهد عليكم السموات السبع وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة إنا لم نعلم بهذا اعلموا أنه لا إله غيري ولا رب غيري ولا تشركوا بي شيئا إني سأرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي وأنزل عليكم كتبي قالوا : شهدنا بأنك ربنا وإلهنا لا رب غيرك ولا إله لنا غيرك فأقروا ورفع عليهم آدم ينظر إليهم فرأى الغني والفقير وحسن الصورة ودون ذلك فقال : يا رب لولا سويت بين عبادك قال : إني أحببت أن أشكر وبهذا يندفع ما يقال : إن إقرار الذراري بربوبيته سبحانه لا ينافي الشرك لأن المشركين قائلون بربوبيته سبحانه كما يدل عليه قوله تعالى : ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله والمعتزلة ينكرون أخذ الميثاق القالي المشار إليه في الأخبار ويقولون : إنها من جملة الآحاد فلا يلزمنا أن نترك لها ظاهر الكتاب وطعنوا في صحتها بمقدمات عقلية مبنية على قواعد فلسفية على ما هو دأبهم في أمثال هذه المطالب قالوا أولا : إن أخذ الميثاق لا يمكن إلا من العاقل فوجب أن يتذكر الإنسان في هذا العالم ذلك الميثاق إذ لا يجوز للعاقل أن ينسى مثل هذه الواقعة العظيمة نسيا كليا فحيث نسى كذلك دل على عدم وقوعها وبنحو هذا الدليل بطل التناسخ وأجيب بأن العلم إنما هو بخلق الله تعالى فجاز أن لايخلقه لحكمة علمها ودليل بطلان التناسخ ليس منحصرا بما ذكر فقد إستدلوا أيضا على بطلانه بلزوم أن يكون للبدن نفسان كما بينه الإمام في المباحث الشرقية وأن يكون عدد الهالكين مساويا لعدد الكائنين والطوفات العامة تأبى هذا التساوي على أنه يمكن أن يجاب بالفرق بين التناسخ وبين ما نحن فيه وذلك إنا إذا كنا في أبدان آخرى وبقينا فيها سنين إمتنع في مجرى العادة نسيان أحوالها وأما أخذ الميثاق فإنما حصل في أسرع زمان فلم يبعد حصول النسيان فيه وبعضهم أجاب بأن النسيان وعدم التذكر هنا لبعد الزمان واعترض بأن أهل الآخرة يعرفون كثيرا من أحوال الدنيا كما نطقت بذلك الآيات والأخبار اللهم إلا أن يقال : إن ذلك خصوصية الدار وقالوا ثانيا : إن تلك الذرية المأخوذة من ظهر آدم عليه السلام لابد أن يكون لكل واحد منها قدر من البنية حتى يحصل فيه العلم والفهم فمجموعها لا تحويه عرصة الدنيا فيمتنع حصوله في ظهر آدم ليؤخذ ثم يرد وأجيب بأنه مبني على كون الحياة