أليس الليل يجمع أم عمرو وإيانا فذاك بنا تدانى نعم وأرى الهلال كما تراه ويعلوها النهار كما علانى وعلى ذلك جرى كلام سيبويه وقال ابن عصفور : أجرت العرب التقرير في الجواب مجرى النفي المحض وإن كان إيجابا في المعنى فإذا قيل : ألم أعطك درهما قيل في تصديقه : نعم وفي تكذيبه بلى وذلك لأن المقرر قد يوافقك فيما تدعيه وقد يخالفك فإذا قال : نعم لم يعلم هل أراد نعم لم تعطني على اللفظ أو نعم أعطيتني على المعنى فلذلك أجابوه على اللفظ ولم يلتفتوا إلى المعنى وأما نعم في بيت جحدر فجواب لغير مذكور وهو ما قدره إعتقاده من أن الليل يجمعه وأم عمرو وجاز ذلك لأمن اللبس لعلمه أن كل أحد يعلم أن الليل يجمعه مع أم عمرو أو هو جواب لقوله : وأرى الهلال قدم عليه وأما قول الأنصار : فجاز لأمن اللبس لأنه قد علم أنهم يريدون نعم لهم ذلك وعلى هذا يحمل إستعمال سيبويه لها بعد التقرير انتهى .
والأحسن أن تكون نعم في البيت جوابا لقوله : فذاك بنا تدانى ثم قال ابن هشام : ويتحرر على هذا أنه لو أجيب ألست بربكم بنعم لم يكف في الإقرار لأنه سبحانه وتعالى أوجب في الإقرار بما يتعلق بالربوبية ما لايحتمل غير المعنى المراد من المقر ولهذا لا يدخل في الإسلام بقوله لا إله إلا الله برفع إله لأحتماله لنفي الوحدة ولعل ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إنما قال : إنهم لو قالوا : نعم لم يكن إقرارا وافيا وجوز الشلويين أن يكون مراده رضي الله تعالى عنه أنهم لو قالوا نعم جوابا للملفوظ على ما هو الأفصح لكان كفرا إذ الأصل تطابق السؤال والجواب لفظا وفيه نظر لأن التكفير لا يكون بالإحتمال والكلام عند جمع تمثيل لخلقه تعالى الخلق جميعا في مبدأ الفطرة مستعدين للإستدلاال بالأدلة الآفاقية والأنفسية المؤدية إلى التوحيد كما نطق به قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : كل مولود يولد على الفطرة الحديث مبني على تشبيه الهيئة المنتزعة من تعريضه سبحانه وتعالى إياهم لمعرفة ربوبيته ووحدانيته بعد تمكينهم منها بما ركز فيهم من العقول والبصائر ونصب لهم في الآفاق والأنفس من الدلائل تمكينا تاما ومن تمكنهم منها تمكنا كاملا وتعرضهم لها تعرضا قويا بهيئة منتزعة من حمله تعالى إياهم على الإعتراف بها بطريق الأمر ومن مسارعتهم إلى ذلك من غير تلعثم أصلا من غير أن يكون هناك أخذ وإشهاد وسؤال وجواب ونظير ذلك في قول ما في قوله سبحانه وتعالى : فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ومن ذلك سائر ما يحكى عن الحيوان والجماد كقوله : شكا إلى جملى طول السرى مهلا رويدا فكلانا مبتلى وقوله امتلأ الحوض وقال قطني مهلا رويدا قد ملأت بطني وجعلوا قوله سبحانه وتعالى : أن تقولوا من تلوين الخطاب وصرفه عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى معاصريه من اليهود تشديدا في الإلزام أو إليهم وإلى متقدميهم بطريق التغليب وهو مفعول له لما قبله من الأخذ والإشهاد أو لمقدر يدل عليه ذلك والمعنى على ما يقول البصريون : فعلنا ما فعلنا كراهة أن تقولوا وعلى ما يقول الكوفيون : لئلا تقولوا يوم القيامة عند ظهور الأمر وإحاطة العذاب بمن أشرك إنا كنا عن هذا أي وحدانية الربوبية غافلين .
271 .
- لم ننبه عليه وإنما لم يسعهم هذا الإعتذار