أي الذي أنبأ الخلق عن الله تعالى فالأول تعتبر فيه الإضافة إلى الله تعالى والثاني تعتبر فيه الإضافة إلى الخلق وقدم الأول عليه لشرفه وتقدم إرسال الله تعالى له على تبليغه وإلى هذا ذهب بعضهم وجعلوا إشارة إلى أن الرسول والنبي هنا مراد بهما معناهما اللغوي لإجرائهما على ذات واحدة كما أنهما كذلك في قوله تعالى : وكان رسولا نبيا وفسر في الكشاف الرسول بالذي يوحى إليه كتاب والنبي بالذي له معجزة ويشير إلى الفرق بين الرسول والنبي بأن الرسول من له كتاب خاص والنبي أعم وتعقبه في الكشف بأن أكثر الرسل لم يكونوا أصحاب كتاب مستقل كإسماعيل ولوط وإلياس عليهم السلام وكم وكم ثم قال : والتحقيق أن النبي هو الذي ينبيء عن ذاته تعالى وصفاته وما لاتستقل العقول بدرايته إبتداء بلا واسطة بشر والرسول هو المأمور مع ذلك بإصلاح النوع فالنبوة نظر فيها إلى الأنباء عن الله تعالى والرسالة إلى المبعوث إليهم والثاني وإن كان أخص وجودا إلا أنهما مفهومان مفترقان ولهذا لم يكن رسولا نبيا مثل إنسان حيوان اه .
وفيه مخالفة بينة لما ذكر أولا ولا حجر في الإعتبار نعم ماذكروه مدفوع بأن الفرق المذكور مع تغاير المفهومين على كل حال من عرف الشرع والإستعمال وأما في الوضع والحقيقة اللغوية فهما عامان وقد ورد في القرآن بالإستعمالين فلا تعارض بينهما .
ولا يرد أن ذكر النبي العام بعد الخاص لا يفيد والمعروف في مثل ذلك العكس ولايخفى أن المراد بهذا الرسول النبي نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم الأمي أي الذي لايكتب ولا يقرأ وهو على ما قال الزجاج نسبة إلى أمة العرب لأن الغالب عليهم ذلك وروى الشيخان وغيرهما عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إنا أمة أمية لانكتب ولا نحسب أو إلى أم القرى لأن أهلها كانوا كذلك ونسب ذلك إلى الباقر رضي الله تعالى عنه أو إلى أمه كأنه على الحالة التي ولدته أمه عليها ووصف E بذلك تنبيها على أن كمال علمه مع حاله إحدى معجزاته صلى الله تعالى عليه وسلم فهو بالنسبة إليه بأبي هو وأمي E صفة مدح وأما بالنسبة إلى غيره فلا وذلك كصفة التكبر فإنها صفة مدح لله D وصفة ذم لغيره .
واختلف في أنه E هل صدر عنه الكتابة في وقت أم لا فقيل : نعم صدرت عنه عام الحديبية فكتب الصلح وهي معجزة أيضا له صلى الله تعالى عليه وسلم وظاهر الحديث يقتضيه وقيل : لم يصدر عنه أصلا وإنما أسندت إليه في الحديث مجازا وجاء عن بعض أهل البيت رضي الله تعالى عنهم أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان تنطق له الحروف المكتوبة إذا نظر فيها ولم أر لذلك سندا يعول عليه وهو صلى الله تعالى عليه وسلم فوق ذلك نعم أخرج أبو الشيخ من طريق مجاهد قال حدثني عون بن عبدالله بن عتبة عن أبيه قال : ما مات النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حتى قرأ وكتب فذكرت هذا الحديث للشعبي فقال : صدق سمعت أصحابنا يقولون ذلك وقيل : الأمي نسبة إلى الأم بفتح الهمزة بمعنى القصد لأنه المقصود وضم الهمزة من تغيير النسب ويؤيده قراءة يعقوب الأمي بالفتح وإن احتملت أن تكون من تغيير النسب أيضا والموصول في محل جر بدل من الموصول الأول هو أما بدل كل على أن المراد منه هؤلاء المعهودين أو بعض على أنه عام ويقدر حينئذ منهم وجوز أن يكون نعتا له ويحتمل أن يكون في محل نصب على القطع وإضمار ناصب له وأن يكون في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وقيل : على أنه مبتدأ خبره جملة يأمرهم أو أولئك هم المفلحون