لو شئت أهلكتهم إنهم كانوا له وزراء مطيعين فاشتد عليه عليه السلام فقدهم فرحمهم وخلف عليهم الفوت وأين لن نؤمن لك من الطاعة وحسن الإستئزار قال : ثم الظاهر من قوله تعالى : فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم إتخذوا العجل إن إتخاذ العجل متأخر عن مقالتهم تلك خلاف ما نقل عن السدي والحمل على تراخي الرتبة لابد له من سند كيف ولا ينافي التراخي الزماني فلا بد من دليل يخصه به هذا وقد إعترف المفسرون في سورة طه بأنه إختار سبعين لميقات الكلام ذكروه في قوله تعالى : وماأعجلك عن قومك يا موسى وما إعتذر عنه الطيبي بأن إختيار السبعين كان مرتين وليس في النقل أنهم كانوا معه عند المكالمة وطلب الرؤية فظاهر للمنصف سقوطه انتهى .
وذكر القطب في توهين ما نقل عن السدي بأن الخروج للإعتذار إن كان بعد قتل أنفسهم ونزول التوبة فلا معنى للإعتذار وإن كان قبل قتلهم فالعجب من إعتذار ثمرته قتل الأنفس ثم قال : ولا ريب أن قصة واحدة تتكرر في القرآن يذكر في سورة بعضها وفي أخرى بعض أخر وليس ذلك إلا لتكرار إعتبار المعتبرين بشيء من تلك القصة فإذا جاز ذكر قصة في سور متعددة في كل سورة شيء منها فلم لا يجوز ذلك في مواضع من سورة واحدة لتكرر الإعتبار اه وهو ظاهر في ترجيح ما ذهب إليه الأولون وأنا أقول : إن القول أن هذا الميقات هو الميقات الأول ليس بعاطل من القول وبه قال جمع كما أشرنا إليه وكلامنا في البقرة ظاهر فيه إلا أن الإنصاف أن ظاهر النظم هنا يقتضي أنه غيره وما ذكره صاحب الكشف لايقتضي أنه ظاهر في خلافه وإلى القول بالغيرية ذهب جل من المفسرين فقد أخرج عبد بن حميد من طريق أبي سعد عن مجاهد أن موسى عليه السلام خرج بالسبعين من قومه يدعون الله تعالى ويسألونه أن يكشف عنهم البلاء فلم يستجب لهم فعلم موسى أنهم أصابوا من المعصية ماأصاب قومهم قال أبو سعد : فحدثني محمد بن كعب القرظي أنه لم يستجب لهم من أجل أنهم لم ينهوهم عن المنكر ولو يأمروهم بالمعروف .
وأخرج عبد بن حميد عن الفضل بن عيسى بن أخي الرقاشي أن بني إسرائيل قالوا ذات يوم لموسى عليه السلام ألست ابن عمنا ومنا وتزعم أنك كلمت رب العزة فإنا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فلما أبوا إلا ذلك أوحى الله تعالى إلى موسى أن إختر من قومك سبعين رجلا فاختار سبعين خيرة ثم قال لهم : اخرجوا فلما برزوا جاءهم ما لا قبل لهم به الخبر وهو ظاهر في أن هذا الميقات ليس هو الأول نعم إنه مخالف لما روي عن السدي لكنهما متفقان على القول بالغيرية ويوافق السدي في ذلك الحسن أيضا فليس هو متفرد بذلك كما ظنه صاحب الكشف وما ذكره من مخالفة كلام السدي لما نقله محيي السنة في حيز المنع وقوله : فإنا لن نؤمن لك الخ يظهر جوابه مما ذكرناه في البقرة عند هذه الآية من الإحتمالات والقول بأن الإختيار كان مرتين غير بعيد وبه قال بعضهم وما ذكره القطب من الترديد في الخروج للإعتذار ظاهر بعض الروايات عن السدي يقتضي تعين الشق الأول منه فقد أخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال : انطلق موسى إلى ربه فكلمه فلما كلمه قال : ماأعجلك عن قومك ياموسى فأجابه موسى بما أجابه فقال سبحانه : فإنا قد فتنا قومك الآية فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا فأبى الله تعالى أن يقبل توبتهم إلا بالحال التي كرهوا ففعلوا ثم أن الله تعالى أمر موسى عليه السلام أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل يعتذرون من عبادة العجل فوعدهم موعدا فاختار موسى سبعين