الذوق كما لايخفى على ذويه ومثله القول بأنه إنما كان لتسكين هارون لما رأى به من الجزع والقلق وقال أبو علي الجبائي : إن موسى عليه السلام أجرى أخاه مجرى نفسه فصنع به ما يصنع الإنسان به عند شدة الغضب وقال الشيخ المفيد من الشيعة : إن ذلك للتألم من ضلال قومه وإعلامهم على أبلغ وجه عظم ما فعلوه لينزجروا عن مثله ولا يخفى أن الأمر على هذا من قبيل : غيري جنى وأنا المعاقب فيكم فكأنني سبابة المتندم ولعل ماأشرنا إليه هو الأولى وجملة يجره في موضع الحال من ضمير موسى أو من رأس أو من أخيه لأن المضاف جزء منه وهو أحد مايجوز فيه ذلك وضعفه أبو البقاء قال أي هارون مخاطبا لموسى عليه السلام إزاحة لظنه ابن أم بحذف حرف النداء لضيق المقام وتخصيص الأم بالمذكر مع كونهما شقيقين على الأصح للترقيق وقيل : لأنها قامت بتربيته وقاست في تخليصه المخاوف والشدائد وقيل : إن هارون عليه السلام كانت آثار الجمال والرحمة فيه ظاهرة كما ينبىء عنه قوله تعالى : ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا وكان مورده ومصدره ذلك ولذا كان يلهج بذكر ما يدل على الرحمة ألا ترى كيف تلطف بالقوم لما قدموا على ما قدموا فقال : يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن ومن هنا ذكر الأم ونسب إليها لأن الرحمة فيها أتم ولولاها ما قدرت على تربية الولد وتحمل المشاق فيها وهو منزع صوفي كما لا يخفى واختلف في إسم أمهما عليهما السلام فقيل : محيانة بنت يصهر بن لاوي وقيل : يوحانذ وقيل : يارخا وقيل : يازخت وقيل : غير ذلك ومن الناس من زعم أن لإسمها رضي الله تعالى عنها خاصية في فتح الأقفال وله رياضة مخصوصة عند أرباب الطلاسم والحروف وما هي إلا رهبانية ابتدعوها ما أنزل الله تعالى بها من كتاب .
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسلئي وأبوبكر عن عاصم هنا وفي طه ابن أم بالكسر وأصله ابن أمي فحذفت الياء اكتفاء بالكسرة تخفيفا كالمنادى المضاف إلى الياء .
وقرأ الباقون بالفتح زيادة في التخفيف أو تشبيها بخمسة عشر إن القوم الذين فعلوا ما فعلوا استضعفوني أي إستذلوني وقهروني ولم يبالوا بي لقلة أنصاري وكادوا يقتلونني وقاربوا قتلي حين نهيتهم عن ذلك والمراد أني بذلت وسعي في كفهم ولم آل جهدا في منعهم فلا تشمت بي الأعداء أي فلا تفعل مايشمتون بي لأجله فإنهم لايعلمون سر فعلك والشماتة سرور العدو بما يصيب المرء من مكروه .
وقريء فلا تشمت بي الأعداء بفتح حرف المضارعة وضم الميم ورفع الأعداءحطهم الله تعالى وهو كناية عن ذلك المعنى أيضا على حد لا أرينك ههنا والمراد من الأعداء القوم المذكورون إلا أنه أقيم الظاهر مقام ضميرهم ولا يخفى سره ولا تجعلني مع القوم الظالمين .
51 .
- أي لاتجعلني معدودا في عدادهم ولا تسلك بي سلوكك بهم في المعاتبة أو لا تعتقدني واحدا من الظالمين مع براءتي منهم ومن ظلمهم فالجعل مثله في قوله تعالى : وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا قال إستئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية الإعتذار كأنه قيل فماذا قال موسى عليه السلام عند إعتذار أخيه فقيل : قال رب اغفر لي ما فعلت بأخي قبل جلية الحال وحسنات الأبرار سيئات المقربين ولأخي إن كان اتصف بما يعد ذنبا