غير ظاهرة في ذلك وإلى الرؤية بعد الصعق ذهب القطب الرازي في تقرير كلام للزمخشري إلا أن ذلك على إحتمال أن تفسر بالإنكشاف التام الذي لايحصل إلا إذا كانت النفس فانية مقطوعة النظر عن وجودها فضلا عن وجود الغير فإنه قال : إن موسى عليه السلام لما طلب هذه المرتبة من الإنكشاف وعبر عن نفسه بأنا دل على أن نظره كان باقيا على نفسه وهي لاتكون كذلك إلا متعلقة بالعلائق الجسمانية مشوبة بالشوائب المادية لاجرم منع عنه هذه المرتبة وأشير إلى أن منعها إنما كان لأجل بقاء أنا وأنت في قوله : أرني ولن تراني ثم لما لم يرد حرمانه عن حصول هذه المرتبة مع إستعداده وتأهله لها علم طريق المعرفة بقوله سبحانه : ولكن انظر إلى الجبل فإن الجبل مع عدم تعلقه لما لم يطق نظرة من نظرات التجلي فموسى عليه السلام مع تعلقه كيف يطيق ذلك فلما أدرك الرمز خر صعقا مغشيا عليه متجردا عن العلائق فانيا عن نفسه فحصل له المطلوب فلما أفاق علم أن طلبه الرؤية في تلك الحالة التي كان عليها كان سوء أدب فتاب عنه .
وذهب الشيخ إبراهيم الكوراني إلى أنه عليه السلام رأى ربه سبحانه حقيقة قبل الصعق فصعق لذلك كما دك الجبل للتجلي وأيده بما أخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : لما تجلى الله تعالى لموسى عليه السلام كان يبصر دبيب النملة على الصفا في الليلة الظلماء من مسيرة عشرة فراسخ وبما أخرجه عن أبي معشر أنه قال : مكث موسى عليه السلام أربعين ليلة لاينظر إليه أحد إلا مات من نور رب العالمين وجمع بين هذا وبين قوله صلى الله تعالى عليه وسلم إن الله تعالى أعطى موسى الكلام وأعطاني الرؤية وفضلني بالمقام المحمود والحوض المورود بأن الرؤية التي أعطاها لنبينا صلى الله تعالى عليه وسلم هي الرؤية مع الثبات والبقاء من غير صعق كما أن الكلام الذي أعطاه موسى كذلك بخلاف رؤية موسى عليه السلام فإنها لم تجمع له مع البقاء وعلى هذا فمعنى قوله E في حديث الدجال إنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت هو أن أحدا لايراه في الدنيا مع البقاء ولا يجمع له في الدنيا بينهما وفسر الآية بما لايخلو عن خفاء .
والذاهبون إلى عدم الرؤية مطلقا يجيبون عما ذكره من حديث أبي هريرة وخبر أبي معشر بأن الثاني ليس فيه أكثر من إثبات سطوع نور الله تعالى على وجه موسى عليه السلام وليس في ذلك إثبات الرؤية لجواز أن يشرق نور منه تعالى على وجهه عليه السلام من غير رؤية فإنه لا تلازم بين الرؤية وإشراق النور وبأن الأول ليس نصا في ثبوت الرؤية المطلوبة له عليه السلام لأنها كما قال غير واحد عبارة عن التجلي الذاتي ولله تعالى تجليات شتى غير ذلك فلعل التجلي الذي أشار إليه الحديث على تقدير صحة واحد منها وقد يقطع بذلك فإنه سبحانه تجلى عليه عليه السلام بكلامه واصطفائه وقربه منه على الوجه الخاص اللائق به تعالى ولا يبعد أن يكون هذا سببا لذلك الإبصار وهذا أولى مما قيل : إن اللام في لموسى للتعليل ومتعلق تجلي محذوف أي لما تجلى الله تعالى للجبل لأجل إرشاد موسى كان عليه السلام يبصر بسبب إشراق بعض أنواره تعالى عليه حين التجلي للجبل مايبصر .
تضوع مسكا بطن نعمان إذ مشت به زينب في نسوة حفرات فالحق الذي لاينبغي المحيص عنه أن موسى عليه السلام لم يحصل له ماسأل في هذا الميقات والذي أقطع به أنه نال مقام قرب النوافل والفرائض الذي يذكره الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم بالمعنى الذي يذكرونه كيفما