أن المراد هو العلم بهويته الخاصة والخطاب لايقتضي إلا العلم بوجه كمن يخاطبنا من وراء الجدار والمراد بالعلم بالهوية الخاصة إنكشاف هويته تعالى على وجه جزئي بحيث لايمكن عند العقل صدقه على كثيرين كما في المرئي بحاسة البصر ولا شك في كونه ممكنا في حقه تعالى لأنه قادر على أن يخلق في العبد علما ضروريا بهويته الخاصة على الوجه الجزئي بدون إستعمال الباصرة كما يخلق بعده وفي عدم لزومه الخطاب فإنه إنما يقتضي العلم بالمخاطب بأمور كلية يمكن صدقها على كثيرين عند العقل وإن كانت في الخارج منحصرة في شخص واحد فهو من قبيل التعقل وبهذا التحرير يعلم رصانة الإيراد ودفع ماأورد عليه ويظهر منه ركاكة ما قاله الآمدي من أن حمل الرؤية على العلم يلزم منه أن يكون موسى عليه السلام غير عالم بربه لئلا يلزم تحصيل الحاصل ونسبة ذلك إلى الكليم من أعظم الجهالات لأنا نقول العلم بالهوية الخاصة على ماذكرنا ليس من ضروريات النبوة ولا المكالمة كما لايخفى نعم يأبى هذا الحمل التعدية كما علمت ويبعده الجواب بلن تراني ولكن انظر الخ كما هو ظاهر وإن تكلف له الزمخشري بما تمجه الإسماع .
وقيل : إنه لو ساغ هذا التأويل لساغ مثله في أرنا الله جهرة لتساوي الدلالة وهو ممتنع بالإجماع وجهرة لا يزيد على كون النظر موصولا بإلى وأجيب عن قولهم : إنما سأله أن يريه علما من أعلام الساعة بأنه لايستقيم لثلاثة أوجه .
أحدها أنه خلاف الظاهر من غير دليل ثانيها أنه أجيب بلن تراني وهو إن كان محمولا على نفي ما وقع السؤال عنه من رؤية بعض الآيات فهو خلف فإنه قد أراه سبحانه أعظم الآيات وهو تدكدك الجبل وإن كان محمولا على نفي الرؤية لزم أن لايكون الجواب مطابقا للسؤال ثالثها أن قوله سبحانه : فإن استقر مكانه فسوف تراني إن كان محمولا على رؤية الآية فهو محال لأن الآية ليست في إستقرار الجبل بل في تدكدكه وإن كان محمولا على الرؤية لايكون مرتبطا بالسؤال فإذن لاينبغي حمل مافي الآية على رؤية الآية وعن قولهم : إن الرؤية وقعت لدفع قومه بأن ذلك خلاف الظاهر من غير دليل وكون الدليل أخذ الصعقة ليس بشيء وأيضا كان يجب عليه السلام أن يبادر إلى ردعهم وزجرهم عن طلب ما لايليق بجلال الله تعالى كما قال إنكم قوم تجهلون عند قولهم : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة وقولهم : إن المقصود ضم الدليل السمعي إلى العقلي ليس بشيء إذ ذلك كان يمكن بطلب إظهار الدليل السمعي له من غير أن يطلب الرؤية مع إحالتها وقصته تقدم الكلام فيها وما ذكروه في الوجه الخامس ظاهر رده من تقرير الوجه الأول من الوجهين اللذين ذكرهما أهل السنة وحاصله أنه يلزمهم أن يكون الكليم عليه السلام دون آحاد المعتزلة علما ودون من حصل طرفا من الكلام في معرفة مايجوز عليه تعالى وما لايجوز وهذه كلمة حمقاء وطريقة عوجاء لايسلكها أحد من العقلاء فإن كون الأنبياء عليهم السلام أعلم ممن عداهم بذاته تعالى وصفاته العلا مما لاينبغي أن ينتطح فيه كبشان وكون الرؤية في الدنيا غير واقعة عند الفريقين إن أريد به أنها غير ممكنة الوقوع فهو أول المسألة وإن أريد أنها ممكنة لكنها لاتقع لأحد فلا نسلم أنه جمع على ذلك الفريقان أما المعتزلة فلأنهم لايقولون بإمكانها وأما أهل السنة فلأن كثيرا منهم ذهب إلى أنها وقعت لنبينا صلى الله تعالى عليه وسلم ليلة الإسراء وهو قول ابن عباس وأنس وغيرهما وقول عائشة رضي الله تعالى عنها : من زعم أن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله سبحانه الفرية مدفوع أو مؤول بأن المراد من زعم أن