هول ما رأى وفرق بعضهم بين السقوط والخرور بأن الأول مطلق والثاني سقوط له صوت كالخرير صعقا أي صاعقا وصائحا من الصعقة والمراد أنه سقط مغشيا عليه عند ابن عباس والحسن رضي الله تعالى عنهم وميتا عند قتادة .
روي أنه بقي كذلك مقدار جمعة وعن ابن عباس أنه عليه السلام أخذته الغشية عشية يوم الخميس يوم عرفة إلى عشية يوم الجمعة ونقل بعض القصاصين أن الملائكة كانت تمر عليه حينئذ فيلكزونه بأرجلهم ويقولون يا ابن النساء الحيض أطمعت في رؤية رب العزة وهو كلام ساقط لا يعول عليه بوجه فإن الملائكة عليهم السلام مما يجب تبرئتهم من إهانة الكليم بالوكز بالرجل والغض في الخطاب فلما أفاق بأن عاد إلى ما كان عليه قبل وذلك بعود الروح عليه على ما قال قتادة أو بعود الفهم والحس على ما قال غيره والمشهور أن الإفاقة رجوع العقل والفهم إلى الإنسان بعد ذهابهما عنه بسبب من الأسباب ولا يقال للميت إذا عادت إليه روحه أفاق وإنما يقال ذلك للمغشي ولهذا اختاره الأكثرون ما قاله الحبر قال تعظيما لأمر الله سبحانه سبحانك أي تنزيها لك من مشابهة خلقك في شيء أو من أن يثبت أحد لرؤيتك على ما كان عليه قبلها أو من أن أسألك شيئا بغير إذن منك تبت إليك من الإقدام على السؤال بغير إذن وقيل : من رؤية وجودي والميل مع إرادتي وأنا أول المؤمنين بعظمتك وجلالك أو بأنه لا يراك أحد في هذه النشأة فيثبت على ما قيل وأراد كما قال الكوراني أنه أول المؤمنين بذلك عن ذوق مسبوق بعين اليقين في نظره وقيل : أراد أول المؤمنين بأنه لا يجوز السؤال بغير إذن منك .
واستدل أهل السنة الموجوزون لرؤيته سبحانه بهذه الآية على جوازها في الجملة واستدل بها المعتزلة النفاة على خلاف ذلك وقامت الحرب بينهما على ساق وخلاصة الكلام في ذلك أن أهل السنة قالوا : إن الآية تدل على إمكان الرؤية من وجهين الأول إن موسى عليه السلام سألها بقوله : رب أرني الخ ولو كانت مستحيلة فإن كان موسى عليه السلام عالما بلإستحالة فالعاقل فضلا عن النبي مطلقا فضلا عمن هو من أولي العزم لا يسأل المحال ولا يطلبه وإن لم يكن عالما بذلك لزم أن يكون آحاد المعتزلة ومن حصل طرفا من علومهم أعلم بالله تعالى وما يجوز عليه وما لا يجوز من النبي الصفي والقول بذلك غاية الجهل والرعونة وحيث بطل القول بالإستحالة تعين القول بالجواز والثاني أن فيها تعليق الرؤية على إستقرار الجبل وهو ممكن في نفسه وما علق على الممكن ممكن .
واعترض الخصوم الوجه الأول بوجوه الأول أنا لا نسلم أن موسى عليه السلام سأل الرؤية وإنما سأل العلم الضروري به تعالى إلا أنه عبر عنه بالرؤية مجازا لما بينهما من التلازم والتعبير بأحد المتلازمين عن الآخر شائع في كلامهم وإلى هذا ذهب أبو الهذيل بن العلاف وتابعه عليه الجبائي وأكثر البصريين والثاني أنا سلمنا أنه لم يسأل العلم بل سأل الرؤية حقيقة لكنا نقول : إنه سأل رؤية علم من أعلام الساعة بطريق حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه فمعنى أرني أنظر إليك أرني أنظر إلى علم من أعلامك الدالة على الساعة وإلى هذا ذهب الكعبي والبغداديون والثالث أنا سلمنا أنه سأل رؤية الله تعالى نفسه حقيقة ولكن لم يكن ذلك لنفسه عليه السلام بل لدفع قومه القائلين أرنا الله جهرة وإنما أضاف