أمة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وأما الأنبياء والملائكة عليهم السلام فلا يدخلون في المفضل عليهم بوجه بل هم خارجون عن ذلك بقرينة عقلية والجملة حالية مقررة لوجه الإنكار أي والحال أنه تعالى خص التفضيل بكم فأعطاكم نعما لم يعطها غيركم وفيه تنبيه على ماصنعوا من سوء المعاملة والمقابلة حيث قبلوا التفضل بالتفضيل والإختصاص بأن قصدوا أن يشركوا به أخس مخلوقاته وهذا الإختصاص مأخوذ من معنى الكلام وإلا فليس فيه مايفيد ذلك وتقديم الضمير على الخبر لايفيده وإن كان إختصاصا آخر على ماقيل أي هو المخصوص بأنه فضلكم على من سواكم وجوز أبو البقاء كون الجملة مستأنفة وإذ أنجيناكم من آل فرعون بإهلاكهم وتخليصكم منهم وإذ إما مفعول به لاذكروا محذوفا بناء على القول بأنها تخرج عن الظرفية أي اذكروا ذلك الوقت ويكون ذلك كناية عن ذكر مافيه وإما ظرف لمفعول اذكروا المحذوف أي اذكروا صنيعنا معكم في ذلك الوقت وهو تذكير من جهته تعالى بنعمته العظيمة وقرىء نجيناكم من التنجية وقرأ ابن عامر أنجاكم فيكون من مقول موسى عليه السلام وقال بعضهم : إنه على قراءة الجمهور أيضا كذلك على أن ضمير أنجينا لموسى وأخيه عليهما السلام أو لهما ولمن معهما أو له وحده عليه السلام مشيرا بالتعظيم إلى تعظيم أمر الإنجاء وهو خلاف الظاهر وقيل : إنه من كلام الله تعالى تتميما لكلام موسى عليه السلام كما في قوله تعالى : فأخرجنا به أزواجا بعد قوله سبحانه : هو الذي جعل لكم الأرض مهادا وهو كالتفسير لقوله سبحانه : وهو فضلكم .
وقوله تعالى يسومونكم سوء العذاب أي يولونكم ذلك ويكلفونكم إياه إما إستئناف بياني كأنه قيل : مافعل بهم أو مم أنجوا فأجيب بما ذكر وإما حال من ضمير المخاطبين أو من آل فرعون أو منهما معا لأشتماله على ضميرهما وقوله عز اسمه : يقتلون أبنائكم ويستحيون نساءكم بدل من يسومونكم مبين له ويحتمل الإستئناف أيضا وفي ذلكم الإنجاء أو سوء العذاب بلاء نعمة أو محنة وقيل : المراد به مايشملهما من ربكم أي مالك أموركم عظيم .
141 .
- لايقادر قدره وفي الآية التفات على بعض ماتقدم ثم إن هذا الطلب لم يكن كما قال محيي السنة البغوي عن شك منهم بوحدانية الله تعالى وإنما كان غرضهم إلها يعظمونه ويتقربون بتعظيمه إلى الله تعالى وظنوا أن ذلك لا يضر بالديانة وكان ذلك لشدة جهلهم كما أذنت به الآيات وقيل : إن غرضهم عبادة الصنم حقيقة فيكون ذلك ردة منهم وأيا ماكان فالقائل بعضهم لاكلهم وقد اتفق في هذه الأمة نحو ذلك فقد أخرج الترمذي وغيره عن أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خرج في غزوة حنين فمر بشجرة للمشركين كانوا يعلقون عليها أسلحتهم ويعكفون حولها يقال لها ذات أنواط فقالوا يارسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سبحان الله وفي رواية الله أكبر هذا كما قال بنو إسرائيل لموسى عليه السلام اجعل لنا إلها كما لهم آلهة والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم وأخرج الطبراني وغيره من طريق كثير بن عبدالله بن عوف عن أبيه عن جده قال غزونا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عام الفتح ونحن ألف ونيف ففتح الله تعالى مكة وحنينا حتى إذا كنا بين حنين والطائف في أرض فيها سدرة عظيمة كان يناط بها السلاح فسميت ذات أنواط فكانت تعبد من دون الله فلما رآها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم صرف