العلة الأخيرة والسبب القريب ولا مانع من تعدد الأسباب وترتب بعضها على بعض قاله الشهاب ونور الحق ساطع منه وقال شيخ الإسلام : الفاء وإن دلت على ترتب الإغراق على ماقبله من النكث لكنه صرح بالتعليل إيذانا بأن مدار جميع ذلك تكذيب آيات الله تعالى وما عطف عليه ليكون ذلك مزجرة للسامعين عن تكذيب الآيات الظاهرة على يد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم انتهى وفيه مناقشة لاتخفى .
وكانوا عنها غافلين الضمير المجرور للآيات والغفلة مجاز عن عدم الذكر والمبالاة أي بسبب تكذيبهم بالآيات وعدم مبالاتهم بها وتفكرهم فيها بحيث صاروا كالغافلين عنها بالكلية وإلا فالمكذب بأمر لا يكون غافلا عنه للتنافي بين الأمرين وفي ذلك إشارة إلى أن من شاهد مثلها لاينبغي له أن يكذب بها مع علمه بها وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الضمير للنقمة وأريد بها الغرق كما يدل عليه ما قبله وعليه فيجوز أن تكون الجملة حالية بتقدير قد ولا مجاز في الغفلة حينئذ والأول أولى كما لا يخفى .
وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون بالإستعباد وذبح الابناء والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل للدلالة على إستمرار الإستضعاف وتجدده والمراد بهم بنو إسرائيل وذكروا بهذا العنوان إظهارا لكمال اللطف بهم وعظم الإحسان إليهم حيث رفعوا من حضيض المذلة إلى أوج العزة ولعل فيه إشارة إلى أن الله سبحانه عند القلوب المنكسرة ونصب القوم على أنه مفعول أول لأورثنا والمفعول الثاني قوله سبحانه : مشارق الأرض ومغاربها أي جميع جهاتها ونواحيها والمراد بها على ماروي عن الحسن وقتادة وزيد بن أسلم أرض الشام وذكر محيي السنة البغوي أنها أرض الشام ومصر وفي رواية أنها أرض مصر التي كانت بأيدي المستضعفين وإلى ذلك ذهب الجبائي ورواه أبو الشيخ عن الليث بن سعد أي أورثنا المستضعفين أرض مستضعفيهم وملكهم ومعنى توريثهم إياها على القول بأنهم لم يدخلوها بعد أن خرجوا منها مع موسى عليه السلام إدخالها تحت ملكهم وعدم وجود مانع لهم عن التصرف فيها أو تمكين أولادهم فيها وذلك في زمن داود وسليمان عليهما السلام ولا يخفى أنه خلاف المتبادر كما مرت الإشارة إليه على أن أرض مصر بعد أن فتحت في زمن داود عليه السلام لم يكن لبني إسرئيل تمكن فيها واستقرار وإنما كان ملك وتصرف وكان التمكن في الأرض المقدسة والسوق على ماقيل يقتضي ذكر ما تمكنوا فيه لا ماملكوه وأقول قد يقال المراد بالأرض هنا وفيما تقدم من قوله سبحانه : عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض الأرض المقدسة التي طلب موسى عليه السلام من فرعون بني إسرائيل ليذهب بهم إليها فإنها موطن آبائهم فيكون موسى عليه السلام قد وعدهم هلاك عدوهم المانع لهم من الذهاب إليها وجعل الله تعالى إياهم خلفاء فيها بعد آبائهم وأسلافهم أو بعد من هي في يده إذ ذاك من العمالقة ثم أخبر سبحانه هنا أن الوعد قد نجز وقد أهلكنا أعداء اولئك الموعودين وأورثناهم الأرض التي منعوهم عنها ومكناهم فيها وفي حصول بغية موسى عليه السلام وما ألطف توريث الأبناء مساكن الآباء التي باركنا فيها بالخصب وسعة الأرزاق أو بذلك وبكونها مساكن الأنبياء عليهم السلام والصالحين وذلك ظاهر على تقدير أن يراد بمشارق الأرض ومغاربها الشام ونواحيها فقد أخرج ابن أبي شيبة عن أبي أيوب الأنصاري قال ليهاجرن الرعد والبرق والبركات إلى الشام