هي وطن آبائهم وكان عدو الله تعالى والقبط قد استبعدوهم بعد إنقراض الأسباط يستعملونهم ويكلفونهم الأفاعيل الشاقة كالبناء وحمل الماء فأنقذهم الله تعالى بموسى عليه السلام وكان بين اليوم الذي دخل فيه يوسف عليه السلام مصر واليوم الذي دخل فيه موسى عليه السلام على ماروي عن وهب أربعمائة سنة واستعمال الإرسال بما أشير إليه على مايظهر من كلام الراغب حقيقة وقيل : إنه إستعارة من إرسال الطير من القفص تمثيلية أو تبعية ولا يخفى أنه ساقط عن وكر القبول والفاء لترتيب الإرسال أو الأمر به على ماقبله من رسالته عليه السلام ومجيئه بالبينة قال إستئناف بياني كأنه قيل : فما قال فرعون فقيل : قال : إن كنت جئت بآية من عند من أرسلك كما تدعيه فأت بها أي فأحضرها عندي ليثبت بها صدقك في دعواك فالمغايرة بين الشرط والجزاء مما لا غبار عليه ولعل الأمر غني عن إلتزام ذلك لحصوله بما لاأظنه يخفى عليك إن كنت من الصادقين .
601 .
- في دعواك فإن كونك من جملة المعروفين بالصدق يقتضي إظهار الآية لا محالة فألقي عصاك وكانت كما روى ابن المنذر وابن أبي حاتم من عوسج وروي عن علي كرم الله تعالى وجهه أنها كانت من لوز .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة أنه قال : ذكر لنا أنها عصا آدم عليه السلام أعطاها لموسى ملك حين توجه إلى مدين فكانت تضيء له بالليل ويضرب بها الأرض بالنهار فيخرج له رزقه ويهش بها على غنمه والمشهور أنها كانت من آس الجنة وكانت لآدم عليه السلام ثم وصلت إلى شعيب فأعطاه إياها وجاء عن ابن عباس Bهما أن اسمها مأشا فإذا هي ثعبان أي حية ضخمة طويلة وعن الفراء أن الثعبان هو الذكر العظيم من الحيات وقال آخرون : إنه الحية مطلقا .
وفي مجمع البيان أنه مشتق من ثعب الماء إذا إنفجر فكأنه سمي بذلك لأنه يجري كعنق الماء إذا إنفجر مبين .
701 .
- أي ظاهر أمره لايشك في كونه ثعبانا فهو إشارة إلى أن الصيرورة حقيقية لاتخيلية وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على كمال سرعة الإنقلاب وثبات وصف الثعبانية فيها كأنها في الاصل كذلك وروي عن ابن عباس والسدي أنه عليه السلام لما ألقاها صارت حية صفراء شعراء فاغرة فاها بين لحييها ثمانون ذراعا وارتفعت من الأرض بقدر ميل وقامت على ذنبها واضعة لحيها الأسفل في الأرض ولحيها الأعلى على سور القصر وتوجهت نحو فرعون لتأخذه فوثب عن سريره هاربا وأحدث وفي بعض الروايات أنه أحدث في ذلك اليوم أربعمائة مرة وفي أخرى أنه استمر معه داءالبطن حتى غرق وقيل : إنها أخذت قبة فرعون بين أنيابها وأنها حملت على الناس فانهزموا مزدحمين فمات منهم خمسة وعشرون ألفا فصاح فرعون ياموسى أنشدك بالذي أرسلك أن تأخذها وأنا أومن بك وأرسل معك بني إسرائيل فأخذها فعادت عصا كما كانت وعن معمر أنها كانت في العظم كالمدينة وقيل : كان طولها ثمانين ذراعا وعن وهب بن منبه أن بين لحييها اثني عشر ذراعا وعلى جميع الروايات لاتعارض بين ماهنا وقوله سبحانه : كأنها جان بناء على أن الجان هي الحية الصغيرة لما قالوا : إن القصة غير واحدة أو أن المقصود من ذلك تشبيهها في خفة الحركة بالجان لا بيان جثتها أو لما قيل : إنها انقلبت جانا وصارت ثعبانا فحكيت الحالتان في آيتين وسيأتي إن شاء الله تعالى