يجعل ذلك مقصودا بالذات كالأول بل جعل صلة للموصول المحذوف عائده أي الذي كذبوه إيذانا بأنه بين في نفسه وإنما المحتاج إلى البيان عدم إيمانهم بعد تواتر البينات الباهرة وتظاهر المعجزات الظاهرة التي كانت تضطرهم إلى القبول لو كانوا من ذوي العقول والموصول الذي تعلق به الإيمان والتكذيب إيجابا وسلبا عبارة عن جميع الشرائع التي جاء بها كل رسول أصولها وفروعها وإن كان المحكى جميع أحوال كل قوم منهم فالمراد على ماقيل بما ذكر أولا كفرهم المستمر من حين مجيء الرسل عليهم السلام إلى آخر أمرهم وبما أشير إليه آخرا تكذيبهم قبل مجيئهم فلابد من جعل الموصول عبارة عن أصول الشرائع التي لاتقبل التبدل والتغير واجتمعت الرسل قاطبة عليها ودعوا الأمم إليها كلمة التوحيد ولوازمها ومعنى تكذيبهم بها قبل مجيء الرسل أنهم كانوا يسمعونها من بقايا من قبلهم فيكذبونها لا أن العقل يرشد إليها ويحكم بها ويخالفونه ثم كانت حالهم بعد مجيء الرسل إليهم كحالهم قبل كأن لم يبعث إليهم أحد وتخصيص التكذيب وعدم الإيمان بما ذكر من الأصول لظهور حال الباقي بدلالة النص فإنهم حين لم يؤمنوا بما اجتمعت عليه كافة الرسل فلأن لايؤمنوا بما تفرد به بعضهم أولى وعدم جعل هذا التكذيب مقصودا بالذات لما أنه ليس مدار العذاب بل مداره التكذيب بعد البعثة كما يفصح عنه قوله تعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وإنما ذكر ماوقع قبلها بيانا لعراقتهم في الكفر والتكذيب وقيل : المراد بما أشير إليه آخر تكذيبهم الذي أسروه يوم الميثاق وروي ذلك عن أبي بن كعب والربيع والسدي ومقاتل واختاره الطبري .
وأخرج ابن جرير وابن حاتم وغيرهما عن مجاهد أن الآية على حد قوله تعالى : ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه فالمعنى ماكانوا لو أهلكناهم ثم أحييناهم ليؤمنوا بما كذبوا قبل إهلاكهم وعلى هذا فالمراد بالموصول جميع الشرائع أصولها وفروعها وفيه من المبالغة في إصرارهم وعتوهم مالا يخفى إلا أنه في غاية الخفاء وأيا ما كان فالضمائر الثلاثة متوافقة في المرجع وقيل ضمير كذبوا راجع إلى أسلافهم والمعنى فما كان الأبناء ليؤمنوا بما كذب به الآباء ولايخفى مافيه من التعسف وذهب الأخفش إلى أن الباء سببية وما مصدرية والمعنى عليه كما قيل : فما كانوا ليؤمنوا الآن أي عند مجيء الرسل لما سبق منهم من التكذيب الذي ألفوه وتمرنموا عليه قبل مجيئهم أو لم يؤمنوا قط واستمروا على تكذيبهم لما حصل منهم من التكذيب حين مجيء الرسل .
كذلك أي مثل ذلك الطبع الشديد المحكم يطبع الله على قلوب الكافرين .
101 .
- أي قلوبهم فوضع المظهر موضع المضمر ليدل على أن الطبع بسبب الكفر وإلى هذا يشير كلام الزجاج وصرح به بعضهم ويجوز ولعله الأولى أن يراد بالكافرين مايشمل المذكورين وغيرهم وفي ذلك من تحذير السامعين مالايخفى وإظهار الاسم الجليل بطريق الإلتفات لتربية المهابة وإدخال الروعة وما وجدنا لأكثرهم أي أكثر الأمم المذكورين ووجد متعدية لواحد واللام متعلقة بها كما في قولك : ماوجدت لزيد مالا أي ماصادفت له مالا ولا لقيته أو بمحذوف كما قال أبو البقاء وقع حالا من قوله تعالى : من عهد لأنه في الأصل صفة للنكرة فلما قدمت عليها انتصبت حالا ومن مزيدة للإستغراق وجوز أن تكون وجد علمية والأول أظهر والكلام على تقدير مضاف أي ماوجدنا وفاء عهد كائن لأكثرهم فإنهم نقضوا ماعاهدوا عليه الله تعالى عند مساس البأساء والضراء قائلين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين وإلى هذا ذهب قتادة وتخصيص