بالنهار أي مبيضا بنور الفجر بناء على ما في الصحاح من أن الاغشى من الخيل وغيره ما أبيض رأسه كله من بين جسده كالأرخم مما لا يكاد يقدم عليه وذكر سبحانه أحد الامرين ولم يذكرهما معا كما في قوله تعالى : يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل للعلم بالآخر من المذكور لأنه يشير اليه أو لأن اللفظ يحتمله على ما قيل وقال بعض المحققين : إن الليل والنهار بمعنى كل ليل ونهار وهو بتعاقب الأمثال مستمر الاستبدال فيدل على تغيير كل منهما بالآخر باخصر عبارة من غير تكلف ومخالفة لما اشتهر من قواعد العربية وجملة يغشى على ماقاله ابن جني على قراءة حميد حال من الضمير في قوله سبحانه : ثم استوى والعائد محذوف أي يغشى الليل النهار بأمره أو باذنه وقوله جل وعلا : يطلبه حثيثا بدل من يغشى الخ للتوكيد وعلى قراءة الجماعة حال من الليل أي يغشى الليل النهار طالبا له حثيثا و حثيثا حال من الضمير في يطلبه وجوز غيره أن تكون الجملة حالا من النهار على تقدير قراءة حميد أيضا .
وجوز أبو البقاء الاستئناف في الجملة الاولى وقال بعضهم : يجوز في حثيثا أن يكون حالا من الفاعل بمعنى حاثا أو من المفعول أي محثوثا وأن يكون صفة مصدر محذوف أي طلبا حثيثا وإنما وصف الطلب بذلك لأن تعاقب الليل والنهار على ما قال الامام وغيره إنما يحصل بحركة الفلك الأعظم وهي أشد الحركات سرعة فان الانسان إذا كان في أشد عدوه بمقدار رفع رجله ووضعها يتحرك الفلك ثلاثة آلاف ميل وهي ألف فرسخ واعترض بأن الفلك الأعظم ان كان هو العرش كما قالوا فحركته غير مسلمة عند جمهور المحدثين بل هم لا يسلمون حركة شيء من سائر الافلاك أيضا وهو الكرسي والسموات السبع بل ادعوا ان النجوم بأيدي ملائكة تسير بها حيث شاء الله تعالى وكيف شاء وقال الشيخ الأكبر قدس سره إنها تجري في نحن الافلاك جري السمك في الماء كل في فلك يسبحون وفسر فيما نقل عنه قوله سبحانه : يغشى الليل النهار يجعله غاشيا له غشيان الرجل المرأة وقال : ذكر سبحانه الغشيان هنا والايلاج في آية أخرى وهذا هو التناكح المعنوي وجعله ساريا في جميع الموجودات وان صح هذا فما اصح قولهم : الليلة حبلى وما ألطفه وأمر الحث عليه ظاهر لمن ذاق عسيلة النكاح والحاصل من هذا الغشيان عند من يقول به ما في هذا العالم من معدن ونبات وحيوان وهي المواليد الثلاث أو من الحوادث مطلقا ويقرب من هذا قوله : أشاب الصغير وأفنى الكبير كر الغداة ومر العشي وأنت تعلم أن لا مؤثر في الوجود على الحقيقة إلا الله تعالى ووجه ذكره سبحانه هذا بعد ذكره الاستواء على ما نقل عن القفال أنه جل شأنه لما أخبر العباد باستوائه أخبر عن استمرار أمور المخلوقات على وفق مشيئته وأراهم ذلك فيما يشاهدونه لينظم العيان الى الخبر وتزول الشبهة من كل الجهات ولا يخفى ان هذا قد يحسن وجها لذكر ذلك وما بعده ذكر استواء وأما لذكره بخصوصه هناك دون تسخير الشمس والقمر فلا وذكر صاحب الكشف في توجيه اختيار صاحب الكشاف هنا أن الغاشي هو النهار وفي الرعد هو الليل وتفسيره التغشية هناك بالالباس وهنا بالالحاق نظرا الى الخلاصة ما يفهم منه وجه تقديم التغشية على التسخير الآتي في هذه الآية وعكسه في آية الرعد حيث قال : والنكتة في ذلك أن تسخير الشمس والقمر ذكر هنالك من قبل في تعديد الآيات فلما فرغ ذكر ادخال الليل على النهار ليطابقه ولانه