إلى أن طلب معنى آخر تكلف والعرب تضرب به المثل في عظم الخلقة فكأنه قيل : حتى يدخل ما هو مثل في عظ الجرم في سم الخياط أي ثقبة الابرة وهو مثل عندهم أيضا في ضيق المسلك وذلك مما لايكون فكذا ما توقف عليه بل لا تتعلق به القدرة لعدم امكانه مادام العظيم على عظمه والضيق على ضيقه وهي إنما تتعلق بالممكنات الصرفة والممكن الولوج بتصغير العظيم أو توسيع الضيق وقد كثر في كلامهم مثل هذه الغاية فيقولون لا أفعل كذاحتى شيب الغراب وحتي يبيض القار وحتى يؤوب القارظان ومرادهم لا أفعل كذا أبدا وقرأ ابن عباس وابن جبير ومجاهد وعكرمة والشعبي الجمل بضم الجيم وفتح الميم المشددة كالقمل .
وقرأ عبد الكريم وحنظلة وابن عباس وابن جبير في رواية أخرى الجمل بالضم والفتح مع التخفيف كنغر .
وفي رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قرأ الجمل بضم الجيم وسكون الميم كالقفل و الجمل بضمتين كالنصب وقرأ أبو السمال الجمل بفتح الجيم وسكون الميم كالحبل وفسر في جميع ذلك بالحبل الغليظ من القنب وقيل : هو حبل السفينة وقريء في سم بضم السين وكسرها وهما لغتان فيه والفتح أشهر ومعناه الثقب الطغير مطلقا وقيل : أصله ما كان في عضو كأنه وأذن وقرأ عبد الله في سم المخيط بكسر الميم وفتحها وهو والخياط ما يخاط به كالحزام والمحزم والقناع والمقنع وكذلك أي مثل ذلك الجزاء الفظيع نجزي المجرمين .
4 .
- أي جنسهم وأولئك داخلون فيه دخولا أوليا وأصل الجرم قطع الثمرة عن الشجرة ويقال : أجرم صار ذا جرم كاتمر وأثمر ويستعمل في كلامهم لاكتساب المكروه ولا يكاد يقال للكسب المحمود .
لهم من جهنم مهاد أي فراش من تحتهم وتنويه للتفخيم وهو فاعل الظرف أو مبتدأ والجملة إما مستأنفة أو حالية ومن تجريدية والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع حالا من مهاد لتقدمه ومن فوقهم غواش أي أغطية جمع غاشية وعن ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي أنها اللحف والآية على ما قيل مثل قوله تعالى : لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل والمراد أن النار محيطة بهم من جميع الجوانب وأخرج أبن مردويه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلّم تلا هذه الآية ثم قال : هي طبقات من فوقه وطبقات من تحته لايدري ما فوقه أكثر أو تحته غير أنه ترفعه الطبقات السفلى وتضعه الطبقات العليا ويضيق فيما بينهما حتى يكون بمنزلة الزج في القدح وتنوين غواش عوض عن الحرف المحذوف أو حركته والكسرة ليست للاعراب وهو غير منصرف لأنه على صيغة منتهى الجموع وبعض العرب يعربه بالحركات الظاهرة على ما قبل الياء لجعلها محذوفة نسيا منسيا ولذا قريء غواش بالرفع كما في قوله تعالى : وله الجوار المنشآت في قراءة عبد الله .
وكذلك أي ومثل ذلك الجزاء الشديد نجزي الظالمين .
14 - عبر عنهم بالمجرمين تارة وبالظالمين أخرى للتنبيه على أنهم بتكذيبهم بالآيات واستكبارهم عنها جمعوا الصفتين وذكر الجرم مع الحرمان من الجنة والظلم مع التعذيب بالنار تنبيها على أنه أعظم الاجرام ولا يخفى على المتأمل في الطائف القرآن العظيم ما في اعداد المهاد والغواشي لهؤلاء المستكبرين عن الآيات ومنعهم من العروج إلى الملكوت وتقييد عدم دخولهم الجنة بدخول البعير بخرق الأبرة من اللطافة فليتأمل والذين ءامنوا أي بآياتنا ولم يكذبوا بها وعملوا الأعمال الصالحات ولم يستكبروا عنها لانكلف نفسا إلا وسعها أي ما تقدر عليه