وعن محمد بن كعب أن المراد أن من ابتدأ الله تعالى خلقه على الشقوة صار اليها وإن عمل بأعمال أهل السعادة ومن ابتدأ خلقه على السعادة صار اليها وإن عمل بعمل أهل الشقاوة ويؤيد ذلك مارواه الترمذي عن عمرو بن العاص قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وفي يده كتابان فقال : أتدرون ما هذان الكتابان قلنا : لا يا رسول الله فقال للذي في يه اليمنى هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء اهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على أخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا ثم قال للذي في شماله هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على ءاخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا فقال أصحابه ففيم العمل يا رسول الله إن كان أمر قد فرغ منه فقال E سددوا أو قاربوا فان صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وان عمل أي عمل وان صاحب أهل النار يختم له بعمل أهل النار وان عمل أي عمل ثم قال أي أشار ورسول الله A بيديه فنبذهما ثم قال فرغ ربكم من العباد فريق في الجنة وفريق في السعير .
وقريب من هذا ما روي عن ابن جبير من أن المعنى كما كتب عليكم تكونون وروي عن الحبر أن المعنى كما بدأكم مؤمنا وكافرا يعيدكم يوم القيامة فهو كقوله تعالى هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن وعليه يكون قوله سبحانه فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة بيانا وتفصيلا لذلك ونظيره قوله تعالى خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون بعد قوله عز شأنه إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم قيل وهو الانسب بالسياق .
وذكر الطيبي أن ههنا نكتة سرية وهي أن يقال إنه تعالى قدم في قوله سبحانه كما بدأكم تعودون المشبه به على المشبه لينبه العاقل على أن قضاء الشؤون لا يخالف القدر والعلم الأزلي البتة وكما روعي هذه الدقيقة في المفسر روعيت في التفسير وزيد أخرى عليها وهي أنه سبحانه قدم مفعول هدى للدلالة على الاختصاص وان فريقا آخر ما أراد هدايتهم وقرر ذلك بأن عطف عليه وفريقا حق عليهم الضلالة وأبرزه في صورة الاضمار على شريطة التفسير أي أضل فريقا حق عليهم الضلالة وفيه مع الاختصاص التوكيد كما قرره صاحب المفتاح لتنقطع ريبة المخالف ولا يقول إن علم الله تعالى لا أثر له في ضلالتهم انتهى .
وكأنه يشير بذلك إلى رد قول الزمخشري في قوله تعالي إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله أي تولوهم بالطاعة فيما أمروهم به وهذا دليل على أن علم الله تعالى لا أثر له في ضلالهم وإنهم هم الضالون باختيارهم وتوليتهم الشياطين دون الله تعالى فجملة إنهم اتخذوا على هذا تعليل لقوله سبحانه : وفريقا حق عليهم الضلالة ويؤيد ذلك أنه قريء أنهم بالفتح ويحتمل أن تكون تأكيد لضلالهم وتحقيقا له وأنا والحق أحق بالاتباع مع القائل : إن علم الله تعالى لايؤثر في المعلوم وأن من علل الجبر به مبطل كيف والمتكلمون عن آخرهم قائلون إن العلم يتعلق بالشيء على ما هو عليه إنما الكلام في أن قدرة الله تعالى لا أثر لها على زعم الضلال أصحاب الزمخشري ونحن مانعون لذلك أشد المنع ولا منع من التعليل بالاتخاذ عند الاشاعرة