المال فعصاه فجاهد ثم قال صلى الله عليه وسلّم فمن فعل ذلك منهم فمات أو قصته دابته فمات كان حقا على الله تعالى أن يدخل الجنة ولعل الاقتصار منه A على هذه المذكورات للاعتناء بشأنها والتنبيه على عظم قدرها لما ان المقام قد اقتضى ذلك لا للحصر ونظير ذلك ما روي عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما وغيرهما من تفسير الصراط المستقيم بطريق مكة والكلام من باب الكناية أو التمثيل ونصب الصراط اما على أنه مفعول به بتضمين أقعدن معنى الزمن أو على نزع الخافض أي على صراطك كقولك ضرب زيد الظهر والبطن او على الظرفية وجاء نصب ظرف المكان المختص عليها قليلا ومن ذلك في المشهور قوله : لدن بهز الكف يعسل متنه فيه كما عسل الطريق الثعلب ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم أي من الجهات الأربع التي يعتاد هجوم العدو منها والمراد لأسولن لهم ولأضلنهم بقدر الامكان إلا أنه شبه حال تسويله ووسوته لهم كذلك بحال اتيان العدو لمن يعاديه من أي جهة امكنته ولذا لن يذكر الفوق والتحت إذ لا إتيان منهما فالكلام من باب الاستعارة التمثيلية و لاقعدن لهم على ما قيل ترشيح لها وبعضهم لم يخرج الكلام على التمثيل واعتذر عن ترك جهة الفوق بأن الرحمة تنزل منها وعن ترك جهة التحت بأن الاتيان منها يوحش والاعتذار عن الاول بما ذكر أخرجه غير واحد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وروي أيضا عن عكرمة والشعبي والاعتذار عن الثاني نسبه الطبرسي إلى الحبر أيضا ولا يبعد على ذلك أن يكون الكلام تمثيلا أيضا ويكون الفرق بين التوجيهين بأن ترك هاتين الجهتين على الأول لعدمهما في الممثل به وعلى الثاني لعدمهما في الممثل .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم وابو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن من بين أيديهم من قبل الآخرة لأنها مستقبلة آتية وما هو كذلك كأنه بين الأيدي ومن خلفهم من قبل الدنيا لأنها ماضية بالنسبة إلى الآخرة ولأنها فانية متروكة مخلفة وعن أيمانهم وعن شمائلهم من جهة حسناتهم وسيآتهم وتفسير الايمان بالحسنات والشمائل بالسيآت لأنهم يجعلون المحبوب في جهة اليمين وغيره في جهة الشمال كما قال : بثين أفي يمنى يديك جعلتني فافرح أم صيرتني في شمائلك وقال الأصمعي : يقال هو عندنا باليمين أي بمنزلة حسنة وبالشمال على عكس ذلك والكلام على هذا يجوز أن يكون فيه مجازات أو استعارات أو كنايات ونظير هذا ما قيل : من بين أيديهم من حيث يعلمون ويقدرون على التحرز عنه ومن خلفهم من حيث لا يعلمون و عن أيمانهم وعن شمائلهم من حيث يتيسر لهم أن يعلموا ويتحرزوا ولكن لم يفعلوا لعدم تيقظهم واحتياطهم ومن حيث لا يتيسر لهم ذلك وقال بعض حكماء الاسلام : إن في الدن قوى أربعا القوة الخالية التي تجتمع فيها مثل المحسوسات وموضعها البطن المقدم من الدماغ واليها الاشارة بقوله : من بين أيديهم والقوة الوهمية التي تحكم في غير المحسوسات بالاحكام المناسبة للمحسوسات ومحلها البطن المؤخر من الدماغ واليها الاشارة بقوله : ومن خلفهم والقوة الشهوانية ومحلها الكبد وهو عن يمين الانسان واليها الاشارة بقوله : وعن أيمانهم والقوة الغضبية ومحلها القلب الذي هو في الشق الأيسر واليها الاشارة بقوله : وعن شمائلهم والشيطان مالم يستعن بشيء من هذه القوى لا يقدر على القاء الوسوسة وهذا عندي نوع من الاشارة كما لا يخفى وقيل : غير ذلك وإنما عدي الفعل إلى