وذكر بعض المحققين أن الظأهر أن يقال : ثم أمرنا الملائكة بالسجود لآدم إلا أنه عدل عن ذلك لأن الأمر بالسجود كان قبل خلق ادم عليه السلام على ما نطق به قوله تعالى : فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين والواقع بعد تصويره إنما هو قوله سبحانه : اسجدوا لآدم وذلك لتعيين وقت السجدة المامور بها قبل والحاصل أنه سبحانه أمرهم أولا أمر معلقا ثم أمرهم ثانيا أمرا منجزا مطابقا للأمر السابق فلذا جعله حكاية له وفي ذلك مالا يخفى من الاعتناء بشأن آدم عليه السلام فسجدوا أي الملائكة عليهم السلام بعد القول من غير تلعثم كلهم أجمعون إلا إبليس استثناء متصل سواء قلنا إن إبليس من الملائكة حقيقة أم لا أما على الأول فظاهر وأما على الثاني فلأنه لما كان جنيا مفردا مغمورا بالوف من الملائكة متصفا بغالب صفاتهم غلبوا عليه في فسجدوا ثم استثنى استثناء واحد منهم وقيل : منقطع بناء على أنه من الجن وأنهم ليسوا من جنس الملائكة ولا تغليب والأول هو المختار .
وذكر قوله تعالى لم يكن من الساجدين .
11 .
- أي ممن سجد لآدم عليه السلام مع أنه علم من الاستثناء عدم السجود لأن المعلوم من الاستثناء عدم العموم لا عموم العدم والمراد الثاني أي أنه لم يصدر منه السحود مطلقا لا معهم ولا منفردا وهذا إنما يفيده التنصيص كذا قيل ونظر فيه بان التنصيص المذكور لايفيد عموم الاحوال والأوقات فلا يتم ما ذكر وتحقيق هذا المقام على ماذكره المولى سرى الدين أن يقال : إن القوم اختلفوا في أن الاستثناء من النفي إثبات أم لا فقال الشافعي : نعم فيكون نقيض الحكم ثابتا للمستثنى بطريق العبارة ويوافقه ظاهر عبارة الهداية .
وذهب طائفة من الحنفية إلى أنه بطريق الاشارة وذهب آخرون إلى أن المستثنى في حكم المسكوت عنه وإنما يستفاد الحكم بطريق مفهوم المخالفة واختار صاحب البحر أنه منطوق إشارة تارة وعبارة أخرى .
وإذا تقرر هذا فيمكن أن يقال في الجواب : إن المقام لما كان مقام التسجيل على إبليس بعدم السجود والتشهير والتوبيخ بتلك القبيحة الهائلة كان خليقا بالتصريح جديرا بالاحتياط لضعف التعويل على القرينة لائقا بكمال الايضاح والتقرير فعدل عن طريق الحذف وإن كان الكلام دالا على المحذوف إلى منهج الذكر والتصريح به وهذا على رأي الشافعي ومن وافقه ظاهر واليه أشار السراج الهندي في مباحث الاستثناء من شرح المغني وأما على باقي المذاهب فالأمر أظهر لأن الحكم على المستثنى بنقيض حكم المستثنى منه إما بطريق الاشارة أو مفهوم المخالفة وعلى كل فالمقام يأبى الاكتفاء بمثل ذلك ويقتضي التصريح بذكر الحكم .
وادعى مولانا ابن الكمال أن هذه الجملة إنما جيء بها لانقطاع الاستثناء وأنه لو كان الاستثناء متصلا يكون الاتيان بها ضائعا لأن عدم كون ابليس من الساجدين يفهم من الاستثناء على تقدير اتصاله ولا يخفى ما فيه على من احاط علما بما ذكرنا واعترضه البعض أيضا بانه على تقدير الانقطاع يكون ذلك ضائعا أيضا بناء على ما ظنه فان ثبوت نقيض حكم المستثنى منه للمستثنى غير مختص بالمتصل ولذا لا نراهم يذكرون مع المستثنى المنقطع أيضا نقيض حكم المستثنى منه إلا قليلا ولو تم ماذكره لوجب ذكر الخبر مع كل منقطع فليفهم .
قال استئناف مسوق للجواب عن سؤال نشأ من حكاية عدم سجوده كأنه قيل : فماذا قال الله تعالى