الجملة مستأنفة لئلا تلغو الاعادة فاذا لم يقصد الاستئناف فلابد من الواو وما عداه تلزمه الواو في الفصيح إلا على طريق التشبيه بالمفرد والتأويل فانه حينئذ قد تترك الواو جوازا وقيل ولم يسلم : إن الضابط في ذلك أنه إذا كان المبتدأ ضمير ذي الحال تجب الواو وإلا فان كان الضمير فيما صدر به الجملة سواء كان مبتدأ نحو فوه إلى في وبعضكم لبعض عدو أو خبر نحو وجدته حاضراه الجود والكرم فلا يحكم بضعفه لكونه الرابط في أول الجملة وإلا فضعيف قليل .
وقال ابن مالك وتبعه ابن هشام ونقل عن السكاكي : إنه إذا كانت الجملة الاسمية مؤكدة لزم الضمير وترك الواو نحو هو الحق لا شبهة فيه و ذلك الكتاب لا ريب فيه وأختار ابن المنير أن المصحح لوقوع هذه الجملة هنا حالا من غير واو هو العاطف إذ يقتضي مشاركة الجملة الثانية لما عطفت عليه في الحالية فيستغنى عن واو الحال كما أنك تعطف على المقسم به فتدخله في حكم القسم من واو نحو والليل إدا يغشى والنهار إدا تجلى وقوله سبحانه : فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس والليل إذا عسعس ويستغنى عن تكرار حرف القسم بنيابة العاطف منابه فليفهم أياما كان فحاصل المعنى أتاهم عذابنا تارة ليلا كقوم لوط عليه السلام وتارة وقت القيلولة كقوم شعيب عليه السلام والقيلولة من قال يقيل فهو قائل ويقال قيلا وقائلة ومقالا ومقيلا وهي كما في القاموس نصف النهار أو هي الراحة والدعة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم كما في النهاية واستدل له بقوله تعالى : أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا إذ الجنة لانوم فيها .
وقال الليث : هي نومة نصف النهار ودفع الاستدلال بأن ذلك مجاز وإنما خص انزال العذاب عليهم في هذين الوقتين لما أن نزول المكروه عند الغفلة والدعة أفظع وحكايته للسامعين أزجر وأردع عن الاغترار بأسباب الأمن والراحة وفي التعبير في الحال الأولى بالمصدر وجعلها عين البيات وفي الحال الثانية بالجملة الاسمية المفيدة في المشهور للثبوت مع تقديم المسند اليه المفيد للتقوى ما لا يخفى من المبالغة وكذا في وصف الكل بوصف البيات والقيلولة مع أن بعض المهلكين بمعزل منهما إيذان بكمال الأمن والغفلة وفي هذا ذم لهم بالغفلة عما هم بصدده وإنما خولف بين العبارتين على ما قيل وبنيت الحال الثانية على تقوى الحكم والدلالة على قوة أمرهم فيما أسند اليهم لأن القيلولة أظهر في إرادة الدعة وخفض العيش فانها من دأب المترفين والمتنعمين دون من اعتاد الكدح والتعب وفيه إشارة إلى أنهم أرباب أشر وبطر .
فما كان دعواهم أي دعاؤهم واستغاثتهم كما في قوله تعالى : وآخر دعواهم وقول بعض العرب : فيما حكاه الخليل وسيبويه اللهم أشركنا في صالح دعوى المسلمين أو أدعاءهم كما هو المشهور في معنى الدعوى إذ جاءهم بأسنا عذابنا وشاهدوا أماراته إلا أن قالوا جميعا إنا كنا ظالمين .
5 .
- أي إلا إعترافهم بظلمهم فيما كانوا عليه وشهادتهم ببطلانه تحسرا أو ندامة وطمعا في الخلاص وهيهات ولا حين نجاة وفي جعل هذا الاعتراف عين ذلك مبالغة على حد قوله : .
تحية بينهم ضرب وجيع .
و دعواهم يجوز فيه كما قال أبو البقاء أن يكون أسم كان والخبر إلا أن قالوا وأن يكون هو الخبر و إلا أن قالوا الاسم ورجح الثاني بان جعل الأعرف اسما هو المعروف في كلامهم والمصدر هنا يشبه المضمر لأنه لايوصف وهو أعرف من المضاف واورد عليه أن الاسم والخبر إذا كانا معرفتين وإعرابهما غير