وأنوأن كلام من التقريرين السابقين لا يخلوا بعد عن نظر فتدبر .
قل إنني هداني ربي أمر له صلى الله عليه وسلّم بأن يبين ما هو عليه من الدين الحق الذي يدعي المفرقون أنهم عليه وقد فارقوه بالكلية وتصدير الجملة بحرف التحقيق لاظهار كمال العناية بمضمونها والتعرض لعنوان الربوبية مع الاضافة إلى ضميره E لما مر غير مرة أي قل يا محمد لهؤلاء المفرقين أو للناس كافة : ارشدني ربي بالوحي وبما نصب في الآفاق والأنفس من الآيات إلى صراط مستقيم موصل إلى الحق .
وقوله سبحانه : دينا بدل من محل إلى صراط إد المعنى فهداني صراطا نظير قوله تعالى : ويهديك صراطا مستقيما أو مفعول فعل مضمر دل عليه المذكور أي هداني أو أعطاني أو عرفني دينا وجوز أن يكون مفعولا ثانيا للمذكور وقوله سبحانه : قيما مصدرا كالصغر والكبر نعت به مبالغة وجوز أن يكون التقدير ذا قيم والقياس قوما كعوض وحول فاعل تبعا لاعلال فعله أعني قام كالقيام وقرأ كثير قيما وهو فيعل من قام أيضا كسيد من ساد وهو على ما قيل أبلغ من المستقيم باعتبار الهيئة والمستقيم أبلغ منه باعتبار مجموع المادة والهيئة وقيل : أبلغية المستقيم لأن السين للطلب فتفيد طلب القيام واقتضاءه ولا فرق بين القيم والمستقيم في أصل المعنى عند الكثير وفسروا القيم بالثابت المقوم لأمر المعاش والمعاد وجعلوا المستقيم من استقام الأمر بمعنى ثبت وإلا لا يتأتى ما ذكر وقيل : المستقيم مقابل المعوج والقيم الثابت الذي لا ينسخ ملة إبراهيم نصب بتقدير أعني أو عطف بيان لدينا بناء على جواز تخالف البيان والمبين تعريفا وتنكيرا حنيفا أي مائلا عن الأديان الباطلة أو مخلصا لله تعالى في العبادة وهو حال من ابراهيم وقد أطبقوا على جواز مجيء الحال من المضاف اليه إذا كان المضاف جزءا منه أو بمنزلة الجزء حيث يصح قيامه مقامه والعامل في هذ الحال هو العامل في المضاف وقيل : معنى الاضافة لما فيه من معنى الفعل المشعر به حرف الجر وقد تقوى هذا المعنى هنا بما بين المتضايفين من الجزئية أو شبهها .
وجوز أن يكون مفعولا لفعل مقدر أي أعني حنيفا وما كان من المشركين .
161 .
- اعتراض مقرر لنزاهته E عما عليه المبطلون وقيل : عطف على ما تقدم وفيه رد على الذين يدعون أنهم على ملته E من أهل مكة القائلين : الملائكة بنات الله واليهود القائلين : عزير ابن الله والنصارى القائلين : عيسى ابن الله قل إن صلاتي أي جنسها لتشمل المفروضة وغيرها وأعيد الأمر لمزيد الاعتناء وقيل : لأن المأمور به متعلق بفروع الشارائع وما سبق باصولها ونسكي 9 أي عبادتي كلها كما قال ألزجاج والجبائي وهو من عطف العام على الخاص وعن سعيد بن جبير ومجاهد والسدي أن المراد به الذبيحة للحج والعمرة وعن قتادة الاضحية وجمع بينه وبين الصلاة كما في وقله تعالى : فصل لربك وانحر على المشهور وقيل : المراد به الحج أي إن صلاتي وحجي ومحياي ومماتي أي ما يقارن حياتي وموتي من الايمان والعمل الصالح .
وقيل : يحتمل أن يكون المراد بالمحيا والممات ظاهرهما والأول هو المناسب لقوله تعالى : لله رب العالمين .
261