ابتغيابتغي حكما بيني وبينكم وهو الذي أنزل اليكم الكتاب المعجز الجامع مفصلا فيه الحق والباطل بحيث لا يبقى معه مقال لقائل فطلب ما سواه مما لا يليق بعاقل ولا يميل اليه الا جاهل وتمت كلمة ربك أي تم قضاؤه في الأزل بما قضى وقدر صدقا مطابقا لما يقع وعدلا مناسبا للاستعداد قيل : صدقا فيما وعد وعدلا فيما أوعد لامبدل لكلماته لأنها على طرز ما ثبت في علمه والانقلاب محال وإن تطع أكثر من في الأرض أي من الجهة السفلية بالركون إلى الدنيا وعالم النفس والطبيعة يضلوك عن سبيل الله لانهم لا يدعون الا للشهوات المبعدة عن الله تعالى إن يتبعون أي ما يتبعون لكونهم محجوبين في مقام النفس بالاوهام والخيالات إلا الظن وإن هم إلا يخرصون بقياس الغائب على الشاهد وذروا ظاهر الاثم من الأقوال والافعال الظاهرة على الجوارح وباطنه من العقائد الفاسدة والعزائم الباطلة .
وقال سهل ظاهر الاثم المعاصي كيف كانت وباطنه حبها وقال الشبلي ظاهر الاثم الغفلة وباطنه نسيان مطالعة السوابق وقال بعضهم ظاهر الاثم طلب الدنيا وباطنه طلب الجنة لأن الأمرين يشغلان عن الحق وكل ما يشغل عنه سبحانه فهو اثم وقيل : ظاهر الاثم حظوظ النفس وباطنه حظوظ القلب وقيل : ظاهر الاثم حب الدنيا وباطنه حب الجاه وقيل : ظاهر الاثم رؤية الأعمال وباطنه سكون القلب إلى الأحوال .
وإن الشايطين وهم المحجوبون بالظاهر عن الباطن ليوحون إلى أوليائهم أي من يواليهم من المنكرين ليجادلوكم بما يتلقونه من الشبه وإن أطعتموهم وتركتم ما أنتم عليه من التوحيد إنكم لمشركون مثلهم أومن كان ميتا بالجهل وهوى النفس أو الاحتجاب بصفاتها فأحييناه بالعلم ومحبة الحق أو كشف حجب صفاته وجعلنا له نورا من هدايتنا وعلمنا أو نورا من صفاتنا أو من كان ميتابالمجاهدات فأحييناه بروح المشاهدات أو ميتا بشهوات النفس فأحييناه بصفاء القلب أو ميتا برؤية الثواب فأحييناه برؤية المآب إلى الوهاب وجعلنا له نور الفراسة أو الارشاد وقال جعفر الصادق : المعنى أو من كان ميتا عنا فأحييناه بنا وجعلناه اماما يهدي بنور الاجابة ويرجع اليه الضلال وقال ابن عطاء : أومن كان ميتا بحياة نفسه وموت قلبه فأحييناه باماتة نفسه وحياة قلبه وسهلنا عليه سبل التوفيق وكحلناه بانوار القرب فلا يرى غيرنا ولا يلتفت إلى سوانا كمن مثله في الظلمات أي ظلمات نفسه وصفاته وأفعاله ليس بخارج منها لسوء استعداده كذلك زين للكافرين المحجوبين ما كانوا يعملون فاحتجبوا به وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها ويكون ذلك سببا لمزيد كمال العارفين حسبما تقدم في جعل الاعداء للانبياء عليه السلام ويمكن أن يكون اشارة إلى ما في الانفس أي وكذلك جعلنا في كل قرية وجود الانسان التي هي البدن أكابر مجرميها من قوى النفس الامارة ليمكروا فيها باضلال القلب وما يمكرون إلا بأنفسهم لأن عاقبة مكرهم راجع اليهم ءفاقا وأنفسا وإذا جاءتهم على يد الرسول E آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله من الرسالة إليهم الله أعلم حيث يجعل رسالته وذلك حيث خزينة الاستعداد عامرة والنفس قدسية سيصيب الذين أجرموا باحتجاب عن الحق صغار عند الله أي ذل بذهاب قدرهم حين خراب ابدانهم وعذاب شديد بحرمانهم الملائم ووصول النافي اليهم في المعاد الجسماني فمن يرد الله أن يهديه اليه ويعرفه به يشرح صدره للاسلام بأن يقذف فيه نورا من أنواره فيعرفه بذلك ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا